responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 2  صفحه : 103
ولقد مرت بمصر حادثة فظيعة لم يقل فيها شوقي أول الأمر شيئًا، تلك هي حادثة دنشواي[1]، ولم ينطق إلا بعد مرور عام، وبعد أن ذهب كرومر من مصر. ولقد أظهرت هذه الحادثة رجال الاحتلال على حقيقتهم، وعرفت المصريين مقدار كذبهم ونفاقهم، لم يكن القصد الجنائي في هذه الحادثة متوافرًا في قليل أو كثير، فهي من أولها إلى آخرها قضاء وقدرًا، فلو أن صيادي الحمام ابتعدوا قليلًا عن جرن الغلال لما حدث شيء، بل لو هدأ هذا الجندي المصاب، ولم يجر فزعًا مسافة طويلة في الشمس المحرقة لما خر صريعًا بضربة شمس لا بضربة العصا، كما اعترف بذلك تقرير الطبيب البريطاني نفسه.
ولكن رجال الاحتلال فقدوا أزمة أعصابهم، وطغت عليهم سورة الانتقام، على نحو ضاعت معه كل مظاهر العدالة التي هي أول واجب عليهم، كما أنها من أوائل حقوق المتهمين، ولكن كيف تذكر العدالة، وقد تصرف الإنجليز بنزق وطيش، حتى إنهم أرسلوا المشانق من القاهرة إلى دنشواي قبل أن تعقد المحكمة لنظر القضية، ولقد كانت محكمة عسكرية ممسوخة التكوين جل أعضائها من الإنجليز، فهي الخصم والحكم وتحاكم قومًا مدنيين، لا جنودًا محاربين. وفي إبان السلم لا في زمن الحرب، وفي وقت يسود فيه النظام والهدوء فلا أحكام عرفية، ولا إجراءات استثنائية؛ وهي محكمة لا تتقيد بقانون وحكمها غير قابل للطعن فيه أو النقض له، أو حتى لمجرد التعديل أو المراجعة او التصديق، بل حكمها مبرم كأنه القضاء النازل لا راد له، ولا حِوَل عنه. ومتهمون يساقون في عجلة متناهية إلى محكمة، ودفاع متخاذل لم يكترث بخطورة الاتهام، ولم يتناسب مع شدته

[1] دنشواي قرية صغيرة تابعة لمركز شبين الكوم، وقد ذهب إليها جماعة من الإنجليز في 13 من يونيو سنة 1906 لصيد الحمام، فأصابت رصاصة من رصاصاتهم امرأة وحرقت جرن قمح، فتجمع الأهلون غاضبين، فاعتدى البريطانيون عليهم بأسلحتهم، وقتلوا شيخ الخفراء، فدفع الناس عن أنفسهم بالحجارة فجرح أحد الضباط الإنجليز في رأسه جرحًا وفر الجريح ومن معه، وجروا في الشمس ما يقرب من ثمانية أميال، فمات متأثرًا بضربة الشمس وتارت ثائرة الإنجليز لهذه الحادثة، وأسرفوا في تصويرها إسرافًا جعلهم بخرجونها من صبغتها الفردية إلى التعصب الديني وإلى أنها تمثل روح التمرد الكاملة في نفوس المصريين. فعقدوا محكمة عسكرية قضت على واحد وعشرين رجلًا بأحكام مختلفة أعدم منهم أربعة وقد صدر هذا الحكم في 27 من يونية سنة 1906أي بعد الحادثة بأربعة عشر يومًا "راجع تفاصيل الحادثة في كتاب مصطفى كامل لعبد الرحمن الرافعي ص 192".
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 2  صفحه : 103
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست