التقصير؛ فلم أرض ما رجع إليّ منهنّ، فأهد لي- رحمك الله- ما أستعين به على ما شكوت إليك؛ فقد خفت الموت قبل الاستعداد.
فكتب إليه: كثر تعجّبي من قلب يألف الذنب، ونفس تطمئنّ إلى البقاء، والساعات تنقلنا والأيام تطوي أعمارنا؛ فكيف يألف قلب ما لاثبات له؟ وكيف تنام عين لا تدري؟ لعلها لا تطرف بعد رقدتها إلا بين يدي الله! والسلام. وكتب رجل من العبّاد إلى صديق له:
إني لمّا رأيت الناس في اليقين متفقين، وفي العمل متفاوتين، ورأيت الحجة واجبة، فلم أر في يقين قصّر بصاحبه عن عمل حجة، ولا في عمل كان بغير يقين منفعة؛ ورأيت من تقصير أنفسنا في السعي لمرجوّ ما وعدت والهرب من مخوف ما حذّرت، حتى أسلمها ذلك إلى أن ضعفت منها النيّة وقلّ التحفّظ واستولى عليها السّقط «1» والإغفال واشتعلت منها الشّهوة، ودعاها ذلك إلى التمرّغ في فضائح اللذّات، وهي تعلم أن عاقبتها الندم، وثمرتها العقوبة، ومصيرها إلى النار إن لم يعف الله- عجبت لعمل امرىء كيف لا يشبه يقينه، ولعلم موقن كيف لا يرتبط رجاءه وخوفه على ربه، حتى لا تكون الرغبة منه إلا إليه والرهبة منه إلا له. وزادني عجبا أنّني رأيت طالب الدنيا أجدّ من طالب الآخرة، وخائفها أتعب من خائف الآخرة، وهو يعلم يقينا أنه ربّ مطلوب في الدنيا قد صار حين نيل حتفا لطالبه، وأنه ربّ مخوف فيها قد لحق كرها بالهارب منه فصار حظّا له، وأن المطلوب إليه من أهلها ضعيف عن نفسه محتاج إلى ربه مملوك عليه ماله مخزونة عنه قدرته. واعلم أن جماع ما