يسعى له الطالب ويهرب منه الهارب أمران: أحدهما أجله، والآخر رزقه، وكلاهما بعينه شاهد على أنه لا يملكه إلا الذي خلقه. فلم أدر حين صار هذا اليقين في موضع الإيمان يقينا لا شكّ فيه، كيف صار في موضع العمل شبيها بالشك الذي لا يقين فيه! وكيف، حين اختلف في أمر الآخرة، لم يختلف في أمر الدنيا، فيكون خائف الآخرة لربه كخائف الدنيا لسلطانه صبرا له على تجشّم المكروه، وتجرّعا منه لغصص الغيظ، واحتمالا منه لفادح النّصب، وعملا له بالسخرة، وتحفّظا من أن يضمر له غشّ أو يهمّ له بخلاف؛ ولو فعل ذلك ما علمه منه حتى يظهر له بقول أو فعل؛ ولو علمه منا قدر له على قطع أجل لم يفن ورزق لم ينفد؛ فإن ابتلي بالسّخط من سلطانه فكيف حزنه ووحشته، وإن أنس منه رضا عنه فكيف سروره واختياله؟ فإن قارف ذنبا إليه فكيف تضعضعه واستخذاؤه «1» ؟ فإن ندبه لأمر فكيف خفّته ونشاطه؟ وإن نهاه عنه فكيف حذره واتّعاظه؟ وهو يعلم أن خالقه ورازقه يعلم سرّه وجهره، ويراه في متقلّبه ومثواه، ويعاينه في فضائحه وعورته، فلم يزعه عنها حياء منه ولا تقيّة له، قد أمره فلم يأتمر، وزجره فلم يزدجر، وحذّره فلم يحذر، ووعده فلم يرغب، وأعطاه فلم يشكر، وستره فلم يزدد بالستر إلا تعرّضا للفضائح، وكفاه فلم يقنع بالكفاية، وضمن له في رزقه ما هو في طلبه مشيح «2» ، ويقّظه من أجله لما هو عنه لاه، وفرّغه من العمل لما هو عنه بغيره مشغول؛ فسبحان من وسع ذلك حمله وتغمّده من عباده عفوه؛ ولو شاء ما فعلوه: ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فأجابه: إني رأيت الله تبارك وتعالى جعل اليقين بأعظم المواضع في