للمتفضّل أن يخصّ بفضله من يشاء؛ ولله الحمد ثم له فيما أعطي، ولا حجّة عليه فيما منع.
مستعفى السلطان أحد ثلاثة: رجل آثر الله وما عنده، وأسأل الله توفيقه؛ ورجل عجز عن عمله فخاف بعجزه عواقب تقصيره، وأستعين الله؛ ورجل سمت به نفسه عن قليل هو فيه إلى كثير أمله. وأعوذ بالله من أن أدنّس نعمة الله بك عليّ وعلى سلفي قبلي بالتصدّي لمن لا يشبه دهره يومك، ولا أكثر جهده في المعروف أقلّ عفوك.
كن كيف شئت، فإنّي واحد أمري خالصة سريرتي، أرى ببقائل بقاء سروري، وبتمام النعمة عليك تمامها عندي، فإنه ليس من نعمة يجدّدها الله لأمير المؤمنين في نفسه خاصّة إلا اتصلت برعيّته عامّة، وشملت المسلمين كافّة، وعظم بلاء الله عندهم فيها، ووجب عليهم شكره عليها؛ لأنّ الله جعل بنعمته تمام نعمتهم، وبسلامته هدوءهم واستقامتهم، وبتدبيره صلاح أمورهم وأمنهم، وبذبّه عن دينهم حفظ حريمهم، وبحياطته حقن دمائهم وأمن سبلهم، وبرعيته اتّساقهم وانتظامهم؛ فأطال الله بقاء أمير المؤمنين مؤيّدا بالنصر، معزّا بالتمكين، موصول الطلب بالظفر، ومدّة البقاء بالنعيم المقيم.
فهمت كتابك ولم تعد في وعدك ووعيدك سبيل الراغب في ربّ عارفته، المحامي على سالف بلائه، المؤثر لاستتمام صنيعته، وإني لأرجو أن أكون على غاية ما عليه ذو نيّة حسنة في شكر مصطنعه، وعناية بأداء ما يلزمه لوليّ نعمته، ومراقبة لرئيسه في سرّ أمره وعلانيته، وإيثار للقليل من جميل رأيه على كثير المنافع مع سخطه. وليس مذهبي فيما أشرحه من العذر وأطيل بذكره الكتب، مذهب من يموّه بالاحتجاج ويحتال في الاعتذار، ومن تطمعه نفسه في سلامة النعمة مع فساد النيّة، وفي محمود العاقبة مع شره النفس،