الرومي مددا لتوذر، فعسكر على حدة. وتداول أبو عبيدة مع خالد، واستقر رأيهما على أن يلقى خالد توذر، وأن يلقى أبو عبيدة شنس، وكان همهما أن يصدا المسلمين عن حمص. وبات كل من القائدين يرتب أمر الحرب وينظم خطته، ولما تنفس الصبح لم يجد خالد أثرًا لتوذر، فقد انسحب في جنوده من أول الليل يريد دمشق، ثقة منه بأن حاميتها لن تطيق مقاومته. وتدبر خالد الأمر، فلا قيمة للانتصار على شنس إذا ما افتض توذر دمشق. وأسرع خالد في كتيبة من الفرسان يطارد توذر. وكان توذر قد وصل إلى دمشق، وبلغ يزيد خبره فخرج يلقاه، وأنشب القتال بعد أن أغلق أبواب المدينة، وبينما توذر يهاجمه أقبل خالد فأخذ الروم من خلفهم، وكبر وكبر الذين معه، فأيقن المسلمون المدافعون بوصول المدد، فأخذهم يزيد من أمامهم وخالد من خلفهم وأمعنوا فيهم قتلا، ولم يفلت منهم إلا الشريد. وغنم المسلمون خيلهم وأداة حربهم ومتاعهم. وعاد خالد إلى مرج الروم فوجد أبا عبيدة قد انتصر على شنس وقتله، ومزق جيشه كل ممزق[1]. وانطلق يلاحق فلوله إلى حمص وحاصر بعلبك، فلما ترامت هذه الأنباء إلى هرقل ارتحل على أثرها، وأرسل إلى أهل حمص يعدهم بالمدد، وأن العرب لن يطيقوا برد حمص، ولم تطل مقاومة بعلبك أمام أبي عبيدة فصالح أهلها، وتركهم إلى حمص فحاصرها وعلى مقدمته خالد بن الوليد. وامتنع أهل المدينة بحصونها لا يخرجون لقتال المسلمين إلا في اليوم الشديد برده، وطال بالمسلمين الحصار، وطال بأهل حمص انتظار ما وعدهم به هرقل، وانصرم الشتاء ولم يرحل المسلمون، فتراجعوا إلى الصلح أخيرًا ودخلها المسلمون.
خلَّف أبو عبيدة على حمص عبادة بن الصامت ومضى نحو حماة، فتلقاه أهلها مذعنين، فصالحهم على صلح حمص. وسار إلى اللاذقية حيث حاصرها واضطر أهلها إلى الصلح، بعد أن خدعهم عن مدينتهم بحفر حفائر كالأسراب، ثم أظهر المسلمون رحيلهم فاطمأن أهلها وخرجوا إلى معاشهم، وعاد المسلمون مع الليل حيث دخلوا المدينة من حفائرهم، ومنعوا الذين خارجها من الدخول، فسلم من أقام في المدينة[2]، وتوجه خالد إلى قنسرين حيث هزم ميناس هزيمة منكرة، وخرب المدينة بعد استسلامها عقوبة لها، وأودى بحاضرها وبمن فيها من عرب تنوخ وسليج. [1] الطبري 1/ 5/ 2505. [2] هيكل، الفاروق ص230.