بفحل، وأنه أتاه الخبر بأن هرقل أمد دمشق بقوات من حمص، وأنه لا يدري أيبدأ بدمشق أم بفحل من بلاد الأردن؟ فأجاب عمر بالبدء بدمشق فهي حصن الشام، على أن يشغلوا أهل فحل في نفس الوقت. فأرسل أبو عبيدة إلى فحل بقوة كبيرة عليها أبو الأعور السلمي، وسار هو وخالد بن الوليد في قوة الجيش الكبرى إلى دمشق، ورأى الروم الذين لجئوا إلى فحل مقدم المسلمين عليهم، وكان أثر اليرموك وما أورثه إياهم من فزع لا يزال آخذًا بنفوسهم، فأطلقوا ماء بحيرة طبرية ونهر الأردن في الأرض حولهم، فأوحلت وتعذر السير فيها، وغاظ المسلمين ما صنع أعداؤهم فحاصروهم دون تقدم وظلوا على حصارهم. بينما كان أبو عبيدة يتقدم في كثرة الجيش إلى دمشق؛ حيث هجر الناس منازلهم ليحتموا في حصونها المنيعة برماتها ومنجنيقاتها وخنادقها التي طمتها مياه نهر بردي. وأمر أبو عبيدة جنده فسكنوا الغوطة معسكرين في كنائسها؛ حتى لا تحاصرهم قوة تأتي من حمص، وبعث بعلقمة بن حكيم وبمسروق العبسي فعسكرا بين دمشق وفلسطين؛ ليمنعا أمداد الروم من الجنوب. وعين لكل من قواده بابًا من أبواب دمشق الحصينة فنزل هو بالجابية، ونزل عمرو بن العاص بباب توماء، ونزل شرحبيل بباب الفراديس، ونزل يزيد بالباب الصغير المعروف بباب كيسان، أما خالد فنزل بباب دمشق الشرقي. ونصب المسلمون المنجنيق والدبابات حول أسوارها، لكن حصونها كانت أمنع من أن تفضها عدة العرب، فردت المدينة كل هجمات المسلمين بسهامهم ونبلهم. وكان نسطاس حاكم المدينة وباهان قائدها ينتظران أمداد هرقل، فطالت المقاومة، وأرسل هرقل ما وعد به، ولكن قوات المسلمين تصدت لأمداده. وعلى الرغم من هذا لم تسقط المدينة، وتمسكت بالمقاومة حتى انصرم الشتاء والعرب لا يريمون. وعند ذلك وهنت المقاومة وبدءوا يفكرون في الصلح. ودخل المسلمون المدينة بعد أن تسورها خالد من الشرق وفتح أبوابها، بينما دخلها أبو عبيدة من الجابية صلحًا، وكذلك فعل يزيد من باب توماء.
وكان طبيعيًّا أن يتجه أبو عبيدة بادئ ذي بدء إلى التفكير فيمن خلف وراءه من جنود المسلمين عند فحل بالأردن، ولكنه شغل قليلًا بتسريح جند خالد إلى العراق كما أوصى أبو بكر، فسارت كتيبة العراق وعليها هاشم بن عتبة، وعلى مقدمتها القعقاع؛ لتدرك المسلمين في القادسية كما مر، وكاد يشغل عن فحل تمامًا؛ إذ أوعز إليه البعض بفتح حمص، مدفوعين بحماسة الظفر، ومنتهزين فرار هرقل منها إلى أنطاكية، لكنه