يحتضن جنوبي القوس سهلا له باب واحد من الجنوب، فدار خالد خلف جيش الروم وحصرهم فتردوا في هاوية الواقوصة، وشدد المسلمون الضغط عليهم فتلاحقوا فيها[1].
قضت معركة اليرموك على كل أمل للروم في استبقاء الشام، فلم يكد هرقل يسمع بهزيمة جيشه حتى جلا عن معسكره بحمص، وجعلها بينه وبين المسلمين، وقال قالته المشهورة: "سلام عليك يا سورية سلاما لا لقاء بعده ونعم البلد للعدو"[2].
ويذهب غير قليل من المؤرخين إلى أن معركة اليرموك كانت بعد أجنادين ودمشق، وأن اليرموك كانت آخر الوقائع. يذهب إلى ذلك الواقدي والبلاذري والأزدي، مخالفين الطبري الذي اخترنا روايته. فالواقوصة التي حدثت المعركة عندها قريبة من بادية الشام ومن تخوم العرب، وهي أدنى الأرض إلى جيوش المسلمين حين التقائها. ويؤيد رواية الطبري ما يرويه ياقوت في هذه الوقعة من أنها حدثت لعهد أبي بكر، وأن البريد جاء بموته وخلافة عمر، وبتأمير أبي عبيدة على الشام كله، وبعزل خالد، وأخفي الخبر عن المسلمين حتى تم نصرهم. ثم دخل خالد على أبي عبيدة فسلم عليه بالإمارة وأفضى بالخبر3. ونحن نميل إلى هذه الرواية ونرفض رواية البلاذري ومن سايره. وليس لنا إلا أن نحتكم في ذلك إلى الشعر الذي يؤيد وجهة النظر التي اخترنا بدوره، يقول القعقاع بن عمرو -وكان ضمن كتيبة خالد- مصورًا مسيرهم إلى اليرموك:
بدأنا نجمع الصفرين فلم ندع ... لغسان أنفًا فوق تلك المناخر
صبيحة صاح الحارثان ومن به ... سوى نفر نجتذهم بالبواتر
وجئنا إلى بصرى وبصرى مقيمة ... فألقت إلينا بالحشا والمعاذر
فضضنا بها أبوابها ثم قابلت ... بنا العيس في اليرموك جمع العشائر4
كتب أبو عبيدة إلى عمر بما تم من نصر المسلمين في اليرموك، وأنه خلف بشير بن سعد بن أبي الحميري عليها ليحمي ظهره، وخرج إلى مرج الصفر يتعقب فلول المنهزمين [1] الجغرافيا التاريخية، محمد أحمد حسونة، ص22، 33. [2] الطبري 1/ 5/ 2396. [2] ياقوت ج4 ص1015.
4 نفس المرجع والصحيفة.