ونهر اليرموك ينحدر سريعًا بين آكام مختلفة الارتفاع إلى غور الأردن وإلى البحر الميت، وعلى مرحلة من ملتقى اليرموك بنهر الأردن تقع واقوصة في منبطح فسيح من الأرض، تحيط به من ثلاث نواح جبال بالغة الارتفاع. وقد اختار الروم هذا المنبطح معسكرًا لهم، فلما استقروا به تخطى المسلمون النهر إلى ضفته اليمنى، واختاروا منبطحًا آخر على الطريق المفتوح لجيش الروم. فلم يبقَ للروم طريق إلا عليهم. وأقام المسلمون برغم هذا لا يقدرون على شيء، ولا يقدر الروم منهم على شيء شهرين كاملين. ورأى المسلمون ألا بد لهم من مدد يعينهم، فكتبوا إلى أبي بكر يستمدونه حتى لا يسأم الجند ويضعف إيمانهم بالنصر. وجمع أبو بكر أولي الرأي من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم متعجبًا أن يقف المسلمون هذا الموقف من الروم على كثرتهم، وتكشفت الحقيقة: أن العلة في القيادة، فالموقف يحتاج إلى قائد جسور وأبو عبيدة رقيق القلب، وابن العاص على دهائه غير مقدام، وعكرمة مناور مقدام ينقصه دقة التقدير. ثم إن كثرة الأمراء تجعلهم لا يقرون لواحد منهم بالتفوق، فإذا بأبي بكر يصيب كبد الحقيقة إذ يقول: "والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد"[1].
وكتب أبو بكر إلى خالد إثر عودته من الحج: "سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك، فإنهم قد شجوا وأشجوا"[2]. وأخذ خالد يتدبر أمره، فتقاسم الجند مع المثنى كأمر أبي بكر، ثم اجتاز طريقًا موحشًا بطريقة فذة وفي أيام قليلة، وتمكن من إصابة بعض والواحات والقبائل في طريقه، كما استطاع بمعونة دليله رافع الطائي أن يختصر الطريق، وأن يقضي على مشكلة الإمدادات وخاصة توفير الماء فيما يشبه المعجزة[3]، ويدخل عمله في إطار الأسطورة. وقد تجنب خالد أن يلتقي بالروم حتى يبلغ جيوش المسلمين. وأغار في طريقه على سوى وتدمر، وصالح أهل قصم وانحدر إلى أذرعات فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار حتى نزل على قناة بصرى، وعليها أبو عبيدة وشرحبيل ويزيد فتقدمهم خالد واقتحموا بصرى وفتحها الله عليهم، ثم ساروا جميعًا إلى فلسطين مددًا لعمرو بن العاص، فعسكر خالد بجنوده إلى جوار زملائه، واكتمل جمع المسلمين على اليرموك. [1] الطبري 1/ 4/ 2108. [2] الطبري 1/ 4/ 2110. [3] الطبري 1/ 4/ 2108.