أنحاء شبه الجزيرة، فلقيت دعوته آذانًا صاغية، وخفوا يطلبون المدينة. وبينما أبو بكر بعد جيوشه تسلم كتابًا آخر من خالد بن سعيد باجتماع الروم ومن نفر إليهم من بهراء وكلب وتنوخ ولخم وجزام وغسان، فكان رد الخليفة: أن أقدم ولا تحجم واستنصر الله.
فأسرع خالد بكل قوته وتخطى الحدود لمنازلة القوم. ولم يلبث الروم وأنصارهم حين رأوه دنا منهم أن تفرقوا وتركوا منازلهم، فدخل معسكرهم وغنم ما فيه، وكتب إلى الخليفة بما صنع. فأجابه بأن يتقدم وبألا يقتحم، حتى لا يُؤتَى من خلفه. وتقدم خالد حتى بلغ القسطل في طريق البحر الميت. وهزم جيشًا من الروم على الشاطئ الشرقي لذلك البحر، ثم تابع مسيره. وثارت حمية الروم، كما ثارت حمية أهل الشام، فتجمعوا في أعداد عظيمة[1]. وفي هذا الوقت كان أبو بكر يبعث إلى عماله يخبرهم بين العمالة والجهاد، فآثروا الجهاد كعمرو بن العاص والوليد بن عقبة، وندبوا الناس معهم. وكان عكرمة بن أبي جهل قد قدم قافلًا من كندة وحضرموت، فما إن بلغ المدينة حتى أمره أبو بكر أن يسير مددًا لخالد بن سعيد، وكذلك سار الوليد بن عقبة فأدرك خالدًا، وتقدم معه لمقابلة الروم[2].
وكان على جيش الروم القائد الأكبر باهان، الذي خدع المسلمين، وتراجع أمامهم حتى مرج الصفر، ثم استدار فأحاط بهم وقتل سعيد بن خالد، واضطر خالد إلى الفرار، تاركًا عكرمة يقود الجيش متقهقرًا به إلى حدود الشام؛ حيث تحصن وأقام ينتظر المدد. ورأى أبو بكر أن يزيل هذه الهزيمة، وأن يرد المسلمين إلى الإيمان بالنصر، ويمدهم بما ينزل في قلوب الروم الخوف والهلع. واهتاج أبو بكر لفتح الشام وعناه أمره[3]، فوجه بشرحبيل ابن حسنة، الذي كان قافلًا من العراق بأنباء النصر، وأمره بالشام فجمع قوة من جيش ابن سعيد وابن عقبة، وسار بها إلى عكرمة[4]. ودعا أبو بكر يزيد بن أبي سفيان، وأمره على جند، وأردفه بأخيه معاوية، فسارا وفصلا ببعض جيش ابن سعيد[5]. وندب الخليفة جيشًا عظيمًا عليه أبو عبيدة بن الجراح، وأمره على حمص، وسمى الخليفة لكل قائد مكانًا، [1] هيكل، الصديق، ص262. [2] الطبري 1/ 4/ 2084. [3] الطبري 1/ 4/ 2082. [4] الطبري 1/ 4/ 2085. [5] الطبري 1/ 4/ 2085.