وبلغ سعدًا ما تندر به الناس، وأن طائفة من وجوه القوم تتهمه وتشغب عليه، وترميه بالخور وضعف العزم، فحز ذلك في نفسه وأثار غضبه، فأمر بأن يحمل وأشرف على الناس حتى يروا ما به، ثم شتم من شغب، وهم بهم وقال: "أما والله لولا أن عدوكم بحضرتكم لجعلتكم نكالًا لغيركم، والله لا يعود أحد بعدها يحبس المسلمين عن عدوهم، ويشاغلهم وهم بإزائهم، إلا سننت به سنة يؤخذ بها بعدي"[1]. وإزاء هذا الحزم أعلن الناس ولاءهم وطاعتهم. وقال جرير بن عبد الله البجلي: "إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أسمع وأطيع لمن ولاه الله الأمر، وإن كان عبدًا حبشيًّا". فسرت هذه الروح في نفوس الجند وسكنت بوادر الفتنة. ويذكر بعض الباحثين أن أبا محجن الثقفي كان فيمن حبسهم سعد في هذا اليوم بسبب تخرصهم[2]. ويروى أن الشاعر المتخرص هو النعمان بن قبيصة، وأن عبد الله بن سنان الأسدي جادله بطعنة أخرست صوته إلى الأبد، وذكر أنه لم يفعل هذا إلا حمية لقريش يقول:
لقد غادر الأقوام ليلة أدلجوا ... بقصر العبادي ذا الفعال مجدلا
دلفت له تحت العجاج بطعنة ... فأصبح منها في النجيع مرملا
أقول له والرمح في نغض كتفه ... أبا عامر عنك اليمين تحللا
سقيت بها النعمان كأسًا روية ... وعاطيته بالرمح سما مثملا
تركت سباع الجو يعرقن حوله ... وقد كان عنها لابن حية معزلا
كفيت قريشًا إذا تغيب جمعها ... وهدمت للنعمان عزا مؤثلا3
ويبدو في حديث جرير بن عبد الله البجلي -الذي يشبه الاعتذار- أنه كان ينفس على سعد إمارة الجيش؛ ولذلك قال قولته التي تلقفها المتخرصون، وفيها ينسب سعدًا إلى الجبن: [1] الطبري 5/ 3361. [2] هيكل، الفاروق ج1، ص167.
3 الطبري ج5، ص2350.