أنا جرير كنيتي أبو عمر ... قد نصر الله وسعد في القصر1
وقد عرف سعد كيف يرد قالة جرير، عندما أشاد ببطولة أميرين من أمراء الجيش وببلائهما، هما القعقاع بن عمرو، وجمال بن جويه الكناني، وأظهر استهانته ببجيلة كلها فقال:
وما أرجو بجيلة غير أني ... أؤمل أجرها يوم الحساب
وقد لقيت خيولهم خيولًا ... وقد وقع الفوارس في الضراب
فلولا جمع قعقاع بن عمرو ... وحمال للجوا في الكذاب
هموا منعوا جموعكم بطعن ... وضرب مثل تفتيق الإهاب
ولولا ذاك ألفيتم رعاء ... تشل جموعكم مثل الذباب2
وبرغم هذا الجو المضطرب الملتهب الذي سيطر على المعركة، فإن فسحة من الوقت ضئيلة، ولحظات من خلو البال -في أوقات الراحة النادرة- كانت تتبدى للمجاهدين كالبريق الخاطف على أطراف الأسنة يختلسونها فيعالجون فيها أمورًا خاصة تتعلق بحيواتهم الاجتماعية والشخصية.. ومر أن بعض المحاربين كانوا تحملوا بنسائهم، وأن أكثرهم استصحابا لنسائهم يوم القادسية كانوا بجيلة والنخع، فكان في النخع سبعمائة امرأة، وفي بجيلة ألف منهن، ولم تستطع أهوال الحرب أن توقف مصاهرة أحياء العرب لهاتين القبيلتين فاستوعبوهن؛ ولذا سميت النخع وبجيلة بأختان العرب أو بأصهارهم[3].
وكانت "أروى" بنة عامر الهلالية النخعية قد تقدم لخطبتها ثلاثة من المجاهدين، هم: بكير بن عبد الله الليثي، وعتبة بن فرقد السلمي، وسماك بن خراشة الأنصاري، وكانت أختها تحت القعقاع بن عمرو، فاستشارته أيهم جدير بها؟ فكان جوابه شعرًا يقول فيه:
فإن كنت حاولت الدراهم فانكحي ... سماكًا أخ الأنصار أو ابن فرقد
وإن كنت حاولت الطعان فيممي ... بكيرًا إذا ما الخيل جالت عن الردي
وكلهم في ذروة المجد نازل ... فشأنكم إن البيان عن الغد4
1 الطبري ج5، ص2361.
2 الطبري ج5، ص2362. [3] الطبري ج5، ص2363، 2364.
4 الطبري ج5، ص2364.