أرجازهم طبولًا تدفع بالمسلمين إلى اقتحام الأهوال، وتدفع بهم إلى أن يكونوا نماذج رفيعة لبقية المجاهدين.
وهذا هو عمرو بن معديكرب الزبيدي يصيح طربًا كأنه غلام مفتون وهو يرى صفوف الفرس تميل تحت وقع ضرباته:
أنا أبو ثور وسيفي ذو النون ... أضربهم ضرب غلام مجنون
يآل زبيد إنهم يموتون1
وقد تخلف عن القادسية كثرة شعر الفتوح الشرقية؛ إذ شهدها نفر من الشعراء المكثرين والمشهورين، وانطلق الشعر على ألسنة الفاتحين، وكأنما هو طقس حتمي من طقوس الحرب والاقتحام، وقد صورت جوانب المعركة تصويرًا دقيقًا، وصفت فيه الحوادث والمشاعر، وفخر المجاهدون ببلائهم، وأشادوا بما قدموا.
وطريف هذا التنازع الشعري حول مقتل رستم، الذي اشترك فيه طائفة من كبار الفرسان الشعراء، وتنازعوا فيه دمه، من مثل عمرو بن معديكرب الزبيدي، وقيس بن مكشوح، وعمرو بن شأس الأسدي، وزهير بن عبد شمس، وغيرهم من الفرسان أمثال طليحة بن خويلد، وقرط بن جماح العبدي، وضرار بن الأزور الأسدي، وهلال بن علفة التميمي.
يقول قيس بن مكشوح:
جلبت الخيل من صنعاء تردي ... بكل مذجج كالليث سامي
إلى وادي القرى فديار كلب ... إلى اليرموك فالبلد الشآمي
وجئن القادسية بعد شهر ... مسومة دوابرها دوامي
فناهضنا هنالك جمع كسرى ... وأبناء المرازبة الكرام
فلما أن رأيت الخيل جالت ... قصدت لموقف الملك الهمام
فأضرب رأسه فهوى صريعًا ... بسيف أفل ولا كهام
وقد أبلى الإله هناك خيرًا ... وفعل الخير عند الله نامي2
1 الأغاني "ساسي" ج14، ص27.
2 البلاذري ص259.