والمسلمون آملون في الظفر، يفعلون في الفرس أفاعيلهم، حتى ليقال: إن القعقاع قد زاحف الفرس ثلاثة وثلاثين زحفًا، فقتل في كل منها فارسًا، وكان آخرها الذي قتل فيه يزرجمهر، وقال في قتله:
حبوته جياشة بالنفس ... هدارة مثل شعاع الشمس
في يوم أغواث فليل الفرس ... أنخس بالقوم أشد النخس
حتى تفيض معشري ونفسي1
وفي الصباح الثالث لم يكن القعقاع قد غمض له جفن، فقد سرب جنده تحت جنح الليل إلى المكان الذي أقبلوا منه، وأمرهم أن يتقاطروا مائة مائة، فإذا بهم يفعلون، يتبعهم هاشم بن عتبة في بقية جند الشام، وأخذ يحمل على الأعداء فيهد صفوفهم، ولكن الفيلة عادت في هذا اليوم تفعل بالمسلمين كفعلها يوم أرماث وتشتت خيول المسلمين، حتى تمكن القعقاع والربيل من عيونها ومشافرها فولت تثب في النهر، واشتد القتال واستحر، وخيم الظلام، فلم يفصل بين الفريقين، ولم يكن يسمع غير صليل السيوف وهرير الفرسان. وزاحف القعقاع دون إذن سعد، وتبعته القبائل تحذو حذوه، فما جاء الظهر حتى أظهر الله المسلمين، فهدموا المجنبتين، وانفرج القلب فانقضوا عليه، وبلغ أهل النجدة سرادق كسرى ويه رستم فقتله الله. وكان صوت القعقاع وهو يترجز بشير الظفر:
نحن قتلنا معشرًا وزائدا ... أربعة وخمسة وواحدا
نحسب تحت اللبد الأساودا ... حتى إذا ماتوا دعوت جاهدا
الله ربي واحترزت عامدا2
كانت القادسية المعركة الفاصلة في الفتوح الشرقية، ولم يرَ المسلمون ولا الفرس وقعة أشد منها هولًا، فقد فقد المسلمون ثمانية آلاف شهيد. وكان قتلى الفرس ثلاثين ألفًا، وأبلى أبطال المسلمين فيها بلاء فخروا به، وسجلوه على الدهر في شعرهم. وكانت
1 مروج الذهب ج2، ص206.
2 الطبري 1/ 5/ 2333.