ووجد أبطال المسلمين في قتلهم مهران شرفًا تنازعه كثيرون منهم، وكثر في ذلك جدالهم. وكان أشهر من تنازع قتله حسان بن المنذر بن ضرار الضبي، وجرير بن عبد الله البجلي، ويظهر أن حسانًا قد طعنه، ثم ضربه جرير بعد ذلك، ولكن حسانًا ينكر أن يكون جرير قد شاركه هذا الشرف فيقول:
ألم ترني خالست مهران نفسه ... بأسمر فيه كالخلال طرير
فخر صريعًا والتقاني برجله ... وبادر في رأس الهمام جرير
فقال قتيلي والحوادث جمة ... وكاد جرير للسرور يطير
فقال أبو عمرو: وقتلى قتلته ... ومثلى قليل وللرجال كثير
فأرسل يمينًا "أن رمحك ناله" ... وأكرم إن تحلف وأنت أمير1
ثم تكون بعد ذلك المعركة الحاسمة في القادسية، التي تجهز لها الفرس والعرب بكل ما يطيقون، وحشد لها عمر أهل الرأي والشجاعة والخطابة والنجدة، يحضون الناس ويلهبون مشاعرهم. والتقى سعد بجيش هو خلاصة الأمة الإسلامية مع الفرس في ثلاثة أيام بثلاث ليال، متصلة الحرب حامية الوطيس، ولعب الشعر دوره في المعركة، فلم يكن القتال يبدأ قبل أن يمر الشعراء بين الصفوف يرغبون الناس، ويقدحون عزمهم فينشب أهل النجدات القتال، بينما يشعل الرُّجَّاز أُوار الحماس، كما حدث في أول يوم، فقد برز غالب بن عبد الله الأسدي يرتجز بدء القتال فقال:
قد علمت واردة المسالح ... ذات البيان واللسان الواضح
أني سمام البطل المشايح ... وفارج الأمر المهم الفادح2
فإذا بهرمز أحد ملوك الباب يبرز فيأخذه غالب أسيرًا، وخرج بعده عاصم بن عمرو التميمي يرتجز قائلًا:
1 المسعودي، مروج الذهب ج2، ص203، 204.
2 المسعودي، مروج الذهب ج2، ص204.