ويصور عاصم بن عمرو ثبات المقاومين من الفرس يوم العقيق فيقول:
ألم ترنا غداة المقر فينا ... بأنهار وسكانها جهارا
قتلناهم بها ثم انكفأنا ... إلى فم الفرات بما استجارا
لقينا من بني الأحرار فيها ... فوارس ما يريدون الفرارا1
وعندما وصل المسلمون إلى الحيرة ودخلوا قصورها استخفهم الطرب، فانطلقت أغنيات النصر نشوى، تفخر ببلائهم الذي استحقوا به الظفر، يقول القعقاع بن عمرو:
ويوم أحطنا بالقصور تتابعت ... على الحيرة الروحاء إحدى المصارف
حططناهم منها وقد كان عرشهم ... يميل به فعل الجبان المخالف
رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا ... غبوق المنايا حول تلك المحارف
صبيحة قالوا: نحن قوم تنزلوا ... إلى الريف من أرض العرب المقانف
والشاعر هنا يشير إلى ما كان من مجادلة خالد لأهل الحيرة، في نقمتهم على بني عمومتهم من العرب، وما كان من انتسابهم إلى العرب. والشاعر يكشف هذا اللجاج الذي فسروا به موقفهم، وأنهم لم يعترفوا بهذا النسب إلا تحت وطأة السيوف.
وهذا عاصم بن عمرو يصف بلوغ المسلمين الحيرة، وإحاطتهم بقصورها فيقول:
صبحنا الحيرة الروحاء خيلا ... ورجلًا فوق أثباج الركاب
حصرنا في نواحيها قصورًا ... مشرفة كأضراس الكلاب2
ويمضي خالد بالمسلمين إلى الأنبار، وفي الطريق إليها يتأمل عاصم بن عمرو جموع المسلمين التي حشدها خالد ليأتي بهم من ألبوا عليهم من أهل الأنبار فيقول:
جلبنا الخيل والإبل المهاري ... إلى الأعراض أعراض السواد
ولم ترَ مثلنا كرما ومجدًا ... ولم ترَ مثلنا شخاب هاد
شحنا جانب الملطاط منا ... بجمع لا يزول عن البعاد
لزمنا جانب الملطاط حتى ... رأينا الزرع يقمع بالحصاد
1 الطبري ج4، ص2047.
2 ياقوت ج2، ص275.