نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 54
على زروع بلدهم وثمارها؛ بينما كان اليهود يقومون على الحرف والصناعات، وخاصة صناعة الأسلحة والأقمشة. ويظهر أن النصرانية كانت معروفة هناك؛ ففي السيرة أن شخصًا كان بها يسمى عبد عمرو بن صيفي خرج على الرسول وحاربه مع قريش، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح[1].
وتدل دلائل مختلفة على أن حياة الأوس والخزرج لم تكن تختلف في شيء عن حياة البدو في الخيام، مع أنهم سكنوا آطام المدينة. ومن أكبر الدلالة على ذلك أنهم كانوا يتحاربون على نحو ما تتحارب القبائل البدوية، وأكبر الظن أن اليهود هم الذين عملوا على الوقيعة ونشر العداوة والبغضاء بينهم؛ حتى يشغلوهم عنهم، وكانوا يصنعون لهم الأسلحة التي استخدموها في تلك الحروب الدامية. وفي كتب التاريخ والأدب أيام ومواقع لهم كثيرة مثل يوم سمير، ويوم حاطب، ويوم السرارة، ويوم فارع، ويوم الربيع، ويوم البقيع، ويوم معبس ومضرس، ويوم الفجار، ويوم بعاث.
وتحرجت الظروف تحرجًا شديدًا بين الأوس والخزرج؛ حتى غدا كأنه من المستحيل أن يكفوا عن هذه الأيام والحروب وكأنما تعاهدوا على الفناء؛ لولا أن نزل بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأصبحوا بنعمة الله إخوانًا إذ دخلوا في دينه الحنيف أفواجًا، وتحولوا إليه يشدون أزره وينصرونه حتى أضاءت بتعاليمه الجزيرة العربية من جميع أطرافها ومسالكها ودروبها.
وكان لليهود في شمالي المدينة قرى خاصة بهم أشهرها خيبر وفدك وتيماء، وما زالوا بها حتى أخرجهم عمر من الجزيرة فأصبحت عربية خالصة. والمظنون أن هؤلاء اليهود مثلهم مثل يهود المدينة نزلوا في هذه القرى حين اضطهدهم الرومان منذ أوائل القرن الثاني الميلادي، واتخذوا العربية لسانًا لهم، وعبروا بها عن عواطفهم؛ فجرى الشعر على ألسنة تفر منهم، لعل أشهرهم السموءل صاحب حصن الأبلق بتيماء وكان معاصرًا لامرئ القيس، ويقال: إن أمه كانت عربية من غسان، ولعل ذلك العرق فيه هو الذي أنطقه بالشعر العربي، وكان أخوه شعية شاعرًا مثله. ومن المؤكد أن عرب الجاهلية لم يكونوا يطمئنون إلى هؤلاء اليهود جميعًا؛ ولذلك لم يؤثروا في حياتهم الدينية فقد ظلوا بعيدين عنهم. [1] السيرة النبوية "طبعة الحلي" 2/ 234.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 54