نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 53
تنزلها قبيلة ثقيف الوثنية، وهناك قصة تزعم أنها من بقايا ثمود، وربما كان لهذه القصة أصل صحيح، وأن الثموديين حين تقوضت إمارتهم في الشمال هاجروا إلى الطائف كما هاجر اللحيانيون إلى منازل هذيل بين مكة والمدينة، وقد يدل على ذلك أننا نجد النسابين يذكرون من بطون هذيل بني لحيان، وكأنهم ظلوا يحتفظون في أحد بطونهم باسمهم القديم. ولم تكن حياة الثقفيين تختلف عن حياة القبائل البدوية النجدية في شيء سوى ما أتاحته لهم زروعهم وثمارهم من الاستقرار على نحو ما استقرت قريش في مكة.
ونمضي إلى شمال مكة على بعد نحو ثلاثمائة ميل، فنلتقي بيثرب التي ذكرها بطليموس في جغرافيته كما ذكرتها الكتابات المعينية، وهي تقوم في واد خصب، تكنفه مرتفعات يعلو بعضها بعضًا، وتكثر الآبار والعيون في هذا الوادي كثرة أتاحت له أن يصبح واحة جميلة تكتظ بالنخيل والأشجار والزورع، مع الجو المعتدل؛ إلا في بعض فترات الصيف؛ إذ تشتد بها الحرارة، ولكنها لا تبلغ حرارة مكة القاسية.
ويقال: إن العمالقة أول من سكنوا المدينة أو يثرب، وظلوا بها حتى نزلها اليهود في القرن الثاني الميلادي على أثر اضطهاد الرومان لهم في فلسطين، والمظنون أنهم الذين سموها باسم المدينة "مدينتا" وهو اسم آرامي. وقد ظلوا على دين آبائهم إلى أن جاء العرب هَدْي الإسلام الحنيف، واتخذوا العربية في حياتهم اليومية، وإن ظلوا يحتفظون بالعبرية في طقوسهم الدينية وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لسانهم ولغتهم[1]، وظهر بينهم غير شاعر كان ينظم بها عربية مثل كعب بن الأشرف[2].
وما زال هؤلاء اليهود مسيطرين على المدينة حتى وفدت عليهم قبائل الأوس والخزرج الأزدية من الجنوب، فأصبحوا هم سادتها الحقيقيين، وقد اتخذوا العربية الشمالية لسانًا لهم، وكانوا وثنيين يحجون إلى مكة وأصنامها، مثلهم مثل بقية العرب. ولم يكونوا يعتمدون على التجارة مثل المكيين، إنما كانوا يعتمدون [1] انظر البلاذري "طبعة أوروبا" ص 474. [2] راجع في شعراء اليهود بالمدينة السيرة النبوية لابن هشام وطبقات الشعراء لابن سلام، والأغاني 19/ 97، 106.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 53