نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 37
والقبائل الكبيرة، وقد عقد المعاهدات مع الفرس والروم، ولم يبلغ ملك مبلغه في القوة. وليس هذا كله ما يحدثنا به النص ولا كل دلالته، فوراء ذلك دلالة أعمق؛ إذ يقول هذا الملك ملك العرب كلهم، وتلك -ولا ريب- أول محاولة في إيجاد وحدة سياسية للعرب الشماليين، بعد أن دمر الرومان دولتيهم في بطرا وتدمر. على أن إمارة الحيرة لم تلبث أن خضعت للفرس، وقد خضع الغساسنة في الشام للبيزنطيين، وأخذت البعثات المسيحية تغزو الشمال في غربيه وشرقيه. ولعل ذلك ما جعل العرب يلتفون حول مكة، وخاصة بعد أن فقدت اليمن استقلالها واحتلها الحبشة ثم الفرس. وقد نقلوا إليها من الجنوب والشمال أصنامهم؛ فكانت دار كعبتهم وعبادتهم الوثنية، وأخذت تقوم بما كانت تقوم به اليمن من نقل التجارة وعروضها بين المحيط الهندي وحوض البحر المتوسط.
ونمضي بعد نقش النمارة نحو مائة وثمانين عامًا؛ فنلتقي في زبد الواقعة جنوبي شرق حلب بنقش وجد على باب أحد المعابد هناك أرخ سنة 512 م، وفيه نرى خصائص الكتابة العربية الجاهلية تتكامل. ومن غير شك حدثت تطورات متعددة بينه وبين نقش النمارة؛ أعدت لهذه الصيغة العربية الخالصة التي نجدها فيها أو بعبارة أدق في خطه. وعلى شاكلته نقش حران اللجا الذي عثر عليه في الشمال الغربي لجبل الدروز جنوبي دمشق وهو مؤرخ بسنة 568م.
ومعنى هذا كله أن الخط العربي نشأ وتطور شمالي الحجاز، وأنه لا يرجع في نشأته وتطوره إلى بلاد العراق، فتلك الوثائق السابقة دليل لا يرقى إليه الشك في أنه نشأ من الخط النبطي وتطور حتى أخذ صيغته النهائية في أوائل القرن السادس الميلادي في تلك البيئة الوثنية العربية الخالصة. وهو يختلف اختلافًا تامًا عن الخط الكوفي ذي الزوايا الذي يرسم في أشكال مستديرة؛ فالحجاز هو موطنه، وهو الذي نشره في محيط العرب الشماليين على طول الدروب والطرق التي كانت تسلكها قوافل المكيين التجارية.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 37