responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 318
دَعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغْيَتِها ... واقعدْ فإنك أنت الطاعمُ الكاسي
فجعل مروءته لا تبلغ به إلا أن يأكل ويلبس. وليس بين أيدينا رثاء مأثور صحيح لزهير.
ولم نتحدث حتى الآن عن أهم الموضوعات التي تتجلى فيها براعة زهير ودقة فنه في التصوير، ونقصد وصف الوحش والصيد، وقد أشاد القدماء كثيرًا ببراعة أستاذه أوس في هذا الباب[1]، ووقفوا عند معان وصور اقتبسها منه زهير؛ ولكن من الحق أنه نمَّى هذا الموضوع، بحيث يعد في الطليعة من شعراء الجاهلية في وصف الوحش والصيد. وكأني به كان يخبرُ اللغة خبرة أوسع من خبرة أستاذه، وكان له خيال دقيق ساعده على تجسيم الصور وتمثيل الحيوان بكل ما يتصل به من منظر وهيئة وحركة، وهو يعرض علينا ذلك تارة في بيت أو أبيات قليلة، وتارة في قطع كبيرة، وكأننا إزاء شريط يُعْرَض في دار من دور الخيالة، واقرأ له هذا البيت في معلقته يصف رسوم دار صاحبته، وقد ألم بها بعد عشرين عامًا؛ فلم يجد بها إلا بقر الوحش والظباء، يقول:
بها العِينُ والآرامُ يمشين خِلْفَةً ... وأطلاؤهَا يَنْهَضْنَ من كلِّ مَجْثَمِ2
وهو بيت واحد؛ ولكنه عرف كيف يعرض علينا منظر البقر والظباء في بعض مواضع البادية عرضًا كاملًا؛ إذ نتمثلها وهي تمشي في جهات متضادة، وأطلاؤها أو أولادها تنتثر هنا وهناك، ناهضة من كل موضع. وانظر إليه يصور ناقته بظليم في بيتين، يودعهما وصفًا دقيقًا له؛ إذ يعرض هيئته وسرعة حركته وذعره الدائم وانطلاقه المستمر في الصحراء كأنه مجنون لا يلوي على شيء، يقول:
كأن الرَّحْلَ منها فوق صَعْلٍ ... من الظِّلْمان جُؤْجُؤه هواءُ3
أصَكَّ مُصَلَّمِ الأذُنَيْنِ أَجْنَى ... له بالسِّيِّ تَنُّومٌ وآء4

[1] خزانة الأدب للبغدادي: 2/ 235.
2 العين: بقر الوحش، والآرام: الظباء البيض. خلفة: من جهات متضادة. الأطلاء: أولاد الوحش. مجثم: مريض
3 الصعل: صغير الرأس. الظلمان: جمع ظليم. الجؤجؤ: الصدر. هواء: فارغ
4 أصك: مقارب العرقويين. مصلم: مقطوع. أجنى من الجنا، وهو إدراك الثمار ونضجها. السي: موضع. التنوم والآء من أشجار البادية.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 318
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست