نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 262
وأما أصابعها فكمساويك شجر الإسحل. وكل هذه الأوصاف مبثوثة في المعلقة، وإذا تركنا حديثه فيها عن المرأة إلى حديثه عن الفرس وجدناه يشبهه بخُذْروف الوليد ومَداك العروس وصَلاية الحنظل والصخرة الملساء تسقط من عل، كما يشبهه بالظبي في خاصرتيه والنعامة في ساقيه والذئب في عدوة والثعلب في تقريبه وقفزه. ونحس دائمًا أنه يحاول أن يطرف سامعه بما يورد عليه من الصور الغريبة، كقوله:
كأنَّ دماءَ الهاديات بنَحْرِهِ ... عُصارةُ حِنَّاءٍ بشيبٍ مرجَّلِ1
فدم الوحش الذي صاده امرؤ القيس يلطّخ صدر الفرس فيتراءى كأنه عصارة حناء صُبغ بها شيب؛ إذ لا يكاد يفترق عن الخضاب في شيء. ويخرج من ذلك إلى وصف السيل والمطر، فيفزع إلى التشبيه الكثير، كأنه لا يرى الشعر شيئًا بدونه، وهو لذلك يوشي به كل شيء يعرض له في المعلقة، سواء حين يصف الثريا أو يصف الليل، وقد أبدع في وصفه لقطعه وأجزائه؛ فهي ما تني تتدافع وتتلاحق غير منتهية. وألم بالوحش، فشبه بقره بعذارى دوار، يقول:
فعنَّ لنا سِرْبٌ كأن نِعاجَه ... عَذارَى دُوَارٍ في المُلاء المذيَّلِ2
وبذلك عكس الصورة فشبه البقر بالنساء، وهو تشبيه مقلوب، تبعه فيه الشعراء، وأصبح ضربًا من ضروب الخيال التي ينسجونها.
وننتقل معه إلى مطولته "ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي" فتلقانا نفس تشبيهاته للمرأة التي لقيتنا في معلقته؛ فهي كالظبية وبيضة النعامة، بل هي كالتمثال الجميل يقول:
ويا ربَّ يومٍ قد لهوتُ وليلةٍ ... بآنسةٍ كأنها خطُّ تمثالِ
ويشبه وجهها في إشراقه بالمصباح، ويقول إنها لينة ممتلئة كحقف الرمل أو ما استدار منه، ويشبهها بالغصن في اعتدال قوامها وتثنيها، أما شعرها فكشماريخ النخل في تداخله وغزارته. ويعرض لليل ونجومه فيشبهها بمصابيح رهبان، ويحدثنا
1 الهاديات: المتقدمات من بقر الوحش. مرجل: مسرح.
2 السرب: القطيع. النعاج هنا. بقر
الوحش: ودوار صنم كانوا يطوفون به في الجاهلية. المذيل: الطويل السابغ.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 262