نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 258
وجفاف ويسر.
وأكبر الظن أنه قد اتضحت الآن الموضوعات الأساسية التي كان ينظم فيها امرؤ القيس شعره قبل مقتل أبيه، وهي التشبيب والغزل القصصي الصريح، ووصف الطبيعة المتحركة بما فيها من خيل ووحش والطبيعة الصامتة بما فيها من أمطار وسيول؛ فتلك هي الموضوعات التي تستغرق أشعاره الأولى. وتجمعها المعلقة جميعًا، بينما تقف المطولة الثانية "ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي" عند التشبيب والقصص الغرامي، ووصف الوحش والفرس وهو في أثناء وصفهما يعرض لصيده وما يجده فيه من لذة ومتاع ولهو.
وكتب لامرئ القيس أن لا تجري حياته على هذه الوتيرة من الفراغ الذي يعد لاقتناص اللذات في اتباع المرأة واللهو بها والمتعة بركوب الخيل والصيد عليها وتملي مناظر الطبيعة؛ فقد قُتل أبوه، وانقلبت حياته من حياة لاهية إلى حياة جادة ومحاولة عاثرة في الأخذ بثأر أبيه ورجع سلطان كندة على بني أسد، وكأنه كان يحس ما ينتظره حين قال في مطولته "ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي":
كأني لم أركب جوادًا للذة ... ولم أتبطن كاعبًا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الرَّوِيَّ ولم أقل ... لخيليَ كُرِّي كرة بعد إجفالِ[1].
ولعله نظم هذه القصيدة في إبان الدورة الثانية من حياته.
ونحن لا ننتظر منه في هذه الدورة سوى الحزن والألم العميق؛ فهذا أبوه حُجْر يُقْتَل وهؤلاء أعمامه يلقون نفس المصير، ومن قبلهم قتل جده الحارث، وهو يسعى في سبيل الأخذ بثأر أبيه، والمنذر بن ماء السماء يطلبه وتتحاماه القبائل والعشائر وهو يتنقل فيما بينها يستغيث ولا مغيث. وربما لقي في أول الأمر شيئًا من العون؛ ولكن ذلك لم يستمر، فقد ازوروا عنه، وهو يطلب من يجيره، وسيف المنذر مصلت يلمع أمام عينيه. فكان طبيعيًّا أن يشكو الدهر وأن يتحدث عن مصيره. وهنا تلقانا مقطوعة رواها الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، تصور حزنه على آبائه. [1] أسبأ: اشترى. الزق: دن الخمر.
الروى: المملوء. الإجفال: الانهزام في سرعة.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 258