نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 256
عَلى قَطَنٍ بِالشَيمِ أَيمَنُ صَوبِهِ ... وَأَيسَرُهُ عَلى السِتارِ فَيَذبُلِ1
وَأَلقى بِبَسيانَ مَعَ اللَيلِ بَركَهُ ... فَأَنزَلَ مِنهُ العَصمَ مِن كُلِّ مَنزِلِ2
وقد استهل القطعة بوصف وميض البرق وتألقه في سحاب متراكم، وشبَّه هذا التألق واللمعان بحركة اليدين إذا أشير بهما أو كأنه مصابيح راهب يتوهج ضوؤها بما يمدها من زيت كثير. ويصف كيف جلس هو وأصحابه يتأملونه بين حامر وإكام، والسحاب يسحّ سحًّا، حتى لتقتلع سيوله كل ما في طريقها من أشجار العضاه العظيمة. وتلك تيماء لم تترك بها نخلًا ولا بيتًا؛ إلا ما شيد بالصخر، فقد اجتثت كل ما مرت به وأتت عليه من قواعده وأصوله. وهذا طمية جبل المجيمر التفت به السيول وما تحمل من غثاء، حتى لكأنه فلكة مغزل. وذاك أبان بما غطاه من هذا السيل والغثاء يشبه شيخًا ملتفًا في كساء مخطط. وقد ألقى بصحراء الغبيط ثِقْله فنشر به من النباتات والأزهار ما يشبه ضروب الثياب الزاهية الألوان التي ينشرها التاجر اليماني حين يعرضها للشراء. وما زالت السيول تفيض حتى علمت آجام السباع فغرقت في لججها وتراءت رءوسها للعين كأنها جذور البصل البري. وقد تراكم السحاب وملأ أقطار السماء حتى ليظن مبصره أن أيمنه على قطن جبل بني أسد وأيسره على الستار ويذبل مما يلي بلاد البحرين، وعَمَّ المطر جبل بسيان حتى أنزل منه الأوعال التي كانت مستقرة به.
ولامرئ القيس مقطوعة في الغيث والسيل تلتقي في كثير من معانيها وصورها بهذه القطعة، وهي ذات الرقم 27 في ديوانه، وقد مر بنا أن أبا عمرو بن العلاء رواها عن ذي الرمة، وهي تمضي على هذا النحو:
دَيمَةٌ هَطلاءُ فيها وَطَفٌ ... طَبَّقَ الأَرضَ تَحَرَّى وتَدُر[3].
1 قطن: اسم جبل في ديار بني أسد، الشيم: النظر إلى البرق والمطر. الستار ويذبل: جبلان.
2 بسيان: جبل، والبرك: الصدر، العصم: الأوعال. [3] الديمة: المطر الدائم، هطلاء: كثيرة الهطل، والوطف: الدنو من الأرض. طبق الأرض: تطبقها وتعمها لكثرة مطرها. تحرى: تعمد إلى الأمكنة وتثبت فيها. وتدر: يكثر ماؤها وترسل درتها.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 256