نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 249
وقد عدّ القدماء هذا المطلع من مبتكراته؛ إذ وقف واستوقف وبكى وأبكى من معه وذكر الحبيب والمنزل، ثم أخذ يصور لنا كيف كان أصحابه يحاولون أن ينفسوا عنه، وهو غارق في ذكرياته وبكائه وإرسال دموعه وزفراته. وانتقل انتقالًا سريعًا يقص علينا مغامراته مع النساء، وكأنه يريد أن يستثير صاحبته فاطمة وأن يزرع الغيرة في قلبها؛ فهو يذكر لها بعض صواحبه اللائي أبكينه وبرَّح حبهن مثل أم الحويرث وأم الرَّباب، ثم يفيض في وصف يوم عنيزة مصورًا كيف كان ينال منها وكيف كانت تدل عليه أحيانًا، وفي أثناء ذلك يتعهر ولا يتستر، فيقول لعنيزة بيته المشهور:
فَمثلَكِ حُبْلَى قد طرقتُ ومُرْضِعًا ... فأَلْهَيْتها عن ذي تمائمَ مُغْيَلِ1
ثم يعود فيبث فاطمة حبه مصورًا دلالها، ومعاتبًا لها عتابًا رقيقًا، في تلك الأبيات البديعة:
أفاطمَ مهلًا بعض هذا التدلُّلِ ... وإن كنت قد أزمعتِ صَرْمي فأجْملي2
وإن كنتِ قد ساءتْك مني خليقةٌ ... فسُلِّي ثيابي من ثيابكِ تَنْسُلِ3
أغرَّكِ مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلبَ يَفْعَل
وما ذرفَتْ عيناك إلا لتَقْدَحِي ... بِسَهْمَيْكِ في أعشار قلب مُقَتَّلِ4
1 التمائم: جمع تميمة وهي العوذة تعلق على الصبي، المغيل: المرضع.
2 بعض هذا التدلل: أي كفي عن بعضه وأزمعت: عزمت، وأجملي: من التجمل وهو ترك ما يقبح.
3 سلي ثيابي من ثيابك: انزعي أمري من أمرك، وتنسل: تسقط.
4 ذرفت العين: سال دمعها، الأعشار: القطع، يقول: ما بكيت إلا لتجرحي قلبًا مكسرًا.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 249