نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 158
وعلى هذا النحو صفَّى علماء الرواية واللغة الشعر الجاهلي من شوائب كثيرة علقت به. وإن كنا لا ننكر في الوقت نفسه أنهم تناولوا أشياء منه بالتنقيح؛ غير أن ذلك كان في حدود ضيقة، كأن يبدلوا كلمة مكان كلمة، أو يقيموا بعض الألفاظ على سنن لهجة قريش؛ فقد كانت تسقط على لسان الشعراء أحيانًا أشياء من لهجاتهم القبلية، فكانوا يصلحونها، وقد يصلحون عروض بعض القصائد، ولكنهم بصفة عامة حافظوا على جوهر هذا الشعر محافظة تشهد لهم بالدقة "أنهم استطاعوا أن ينقلوا غير قليل منه إلى أجيالهم والأجيال التالية في صورة تكاد تكون مطابقة تمام المطابقة لأصوله.
3- التدوين
مر بنا أن العرب لم يدونوا شعرهم في الجاهلية، وأن ما يذكر من أخبار عن كتابة بعض شعرائهم لمقطوعات لهم، فإنه لا يدل على أنهم فكروا فعلًا في تدوين أشعارهم؛ إنما هي قطع تكتب على رحل أو على حجر أو جلد لإنباء القبيلة أو بعض أفرادها بحادث. وقد نفينا أن يكونوا علقوا المعلقات في الكعبة وكذلك رفضنا رواية حماد عن تدوين النعمان بن المنذر لأشعار العرب وما مدح به هو وأهل بيته. ومن الأدلة على ذلك أننا لا نجد راويًا ثقة يزعم أنه نقل عن قراطيس كانت مكتوبة في الجاهلية، كما أننا لا نجد راويًا ثقة يزعم أن شاعرًا في الجاهلية ألقى قصيدته من صحيفة مدونة؛ إنما كانوا ينشدون شعرهم إنشادًا، ومن كان منهم يُعد قصيدته في حول أو أقل من حول كان يعدها في نفسه، ويرددها في ذاكرته، ثم ينشدها، ويحملها الناس عنه، ومن ثم قال الجاحظ: "وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام ... فما هو إلا أن يصرف "العربي" وهمه إلى جملة المذهب وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني أرسالًا "أفواجًا" وتنثال عليه الألفاظ انثيالًا، ثم لا يقيده على نفسه1".
1 البيان والتبيين 3/ 28.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 158