لا أفهم إلا كذلك، فهل لك أن تعفيني من هذه المعميات, وتزن كلامك على قدر عقلي وتحدثني فيما يتناوله سمعي وبصري. فقلت: أنا لم أخرج بك عن المألوف المعروف، ولا أريد إلا أن الأمة ليست في الخارج شيئا غير أفرادها فإذا سعدت أو شقيت فالسعداء والأشقياء أبناؤها، وحسبك أن ترى تقدم الأمة المصرية في ثروتها وعمرانها، وبذخها وترفها، وكثرة ناطقها وصامتها، فتسعد بسعادتها وتسر بسرورها، فقال: إن لم تبين لي سهمي من هذه السعادة ونصيبي من ذلك الارتقاء فلا أصدق سعادة ولا أتصور ارتقاء، وما دمت أرى أن لي هوية مستقلة من هوية سواي من السعداء، ويدا تقصر عما يتناولونه، وبطنا لا يمتلئ بما تمتلئ به بطونهم، وما دمت لا أرى واحدا بينهم يلبس معي ردائي الممزق، وقميصي المخرق، ويقاسمني همي، ويشاطرني فقري، فهيهات أن أسعد بسعادتهم، وأسر بسرورهم، وهيهات أن أفهم معنى قولك: أنت الأمة والأمة أنت، فقلت: إن الغيث إذا نزل يسقي الخصيب والجديب، والنجد والوهد، وينتظم من الأرض الميت والحي، فقال: كل سماء فيها هذا الغيث إلا سماء مصر، فإني أراه؛
كبدر أضاء الأرض شرقا ومغربا ... وموضع رجلي منه أسود مظلم