ما لي وللروض الذي لا أستنشق روحه وريحانه، والقصر الذي لا أدخله مالكا ولا زائرا، وهب أن الطرق مفروشة بالحرير والديباج لا بالحصى والمدر فهل أبقى لي الدهر من حاسة اللمس شيئا فأميز بين خشن الملمس وناعمه، ومعوج الأرض ومستقيمها، وهبني إذا مشيت خضت في بحر مائج بأنوار الكهرباء فهل يغني ذلك عني شيئا، وهل يكون نصيبي منه إلا انكشاف سوءتي ورثاثتي لأعين الناظرين، ولقد حبب إلي الظلام حتى تمنيت دوامه لألبس من ثوبه الطبيعي ما يكفيني مئونة الرتق والفتق، والتمزيق والترقيع، وبعد فما هو الارتقاء الذي تزعمه وتزعم أنه يعنيني ويشملني، هل ترقت غرائز الإحسان في نفوس المحسنين، وهل خفقت قلوب الأغنياء رحمة بالفقراء، فقلت: نعم، أما ترى الأموال التي يتبرع بها الأغنياء للجمعيات الخيرية, والتي ينفقها المحسنون على بناء المدارس والمكاتب والمستشفيات. فقال: إن هذه التي تسميها مكارم، لا يسميها أصحابها إلا مغارم، ألجأهم إليها التملق للكبراء، وحب التقرب من الرؤساء، والطمع في الزخرف الباطل، والجاه الكاذب.
ما لي وللمدارس والمستشفيات وأنا جوعان خبز لا جوعان علم، ولا مرض عندي إلا مرض الفاقة، فهل أجد في المدارس