رأسه، ويصعد أنفاسه، ويمضغ أضراسه، ويئن من قلبه أنينا خفيا يكاد يسمع فيه السامع قول الشاعر:
فيالك بحرا لم أجد فيه مشربا ... على أن غيري واجد فيه مسبحا
فما هو إلا أن قضوا لبانتهم من الكلام المملول والحديث المعاد حتى قاموا يطيرون مع الآمال، وراء الأموال، فأشرت إلى أبي الشمقمق أن يتخلف ففعل فسألته: ما لك لم تشترك معنا فيما كنا فيه؟ فأجاب: إني أكره الفضول في الحديث, وقد فرق المقدار بيني وبينكم في المال، فلا أشترك معكم في المقال، فقلت: ألا يعجبك يا أبا الشمقمق حديث النهضة الحديثة التي نهضتها الأمة المصرية في العهد الأخير, وأنت فرد من أفرادها، وجزء من أجزاء جسمها، فنهوضها نهوضك وسقوطها سقوطك، والأمة كما تعلم هي الفرد المكرر والواحد الدائر، فأنت الأمة والأمة أنت، فقال: والله لا أدري هل تكلمني بلسان الصوفية ولست بصوفي، أم بلغة الفلاسفة ولا أفهم للفلسفة معنى، وكأنك تقصدني بالفرد المكرر والواحد الدائر، فإن كنت تريد أني فرد مكرر كثير الأشباه والأمثال في العوز والفاقة، وواحد لا سند لي ولا عضد، ودائر في مدارج الطرق ومعابر السبل، فقد أصبت وأحسنت، وإن كنت تريد معنى غير ذلك، فأنا