العاجلة وساداتها فما أبه[1] لي ولا فهم كلمة مما أقول، فانصرفت عنه إلى خازن آخر اسمه زُفَرُ فكان شأني معه شأني مع صاحبه إلا أنه كان أرق منه قلبًا وألين جانبًا، فأشار علي بالذهاب إلى النبي الذي أتبعه وأفهمني أن الأمر موكول إليه فعدت وبين جنبيَّ من الحسرة والوجد ما الله عالم به، فبينا أنا أتخلل الصفوف، وأزاحم الوقوف، إذ وقع بصري على حلقة من الناس تحيط بشيخ هرم أنعمت النظر فيه، فإذا هو الشيخ أبو علي الفارسي النحوي، وإذا بالمحتفلين به جماعة من شعراء العرب كلهم يخاصمه، وكلهم يَنْقِمُ عليه، هذا يقول له رويت بيتي على غير وجهه، وذاك يقول أعربته على غير ما أردت وذهبت، فدفعني الفضول كما دفعهم إلى النزول في ميدانهم فما فرغنا من الرفع والنصب والزيادة والحذف حتى أدركت شؤم ما فعلت وعلمت أن شهادة التوبة قد سقطت مني في ذلك المعترك، فقلت قبح الله الشعر والإعراب، واللغة والآداب، إنهما شؤم الآخرة والأولى.
وقفت أحير من ضب في حمارَّةِ[2] قيظ لا أدري ما آخذ وما أدع حتى رميت بطرفي، فإذا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب [1] أبه احتفل. [2] الحمارة بالتشديد شدة الحر.