رسالة الغفران 1:
غفوت إغفاءة طويلة لا علم لي بمداها ولا بما وقع لي فيها، ثم صحوت فرأيت نفسي في صحراء مدَّ البصر مكتظة[2] بأنواع من الخلق لا أحصيهم عددًا، فعلمت أني بعثت وأنه يوم القيامة فساورني[3] من الهم ما ساورني حيث ذكرت أن مقداره ألف سنة من سنى القيامة، وقلت من لي بالصبر على موقف يهلك فيه صاحبه ظمأ وجوعًا، ويحترق تحت أشعة شمس ليس بينه وبينها إلا قيد ظفر، فتماسكت بضعة أشهر ثم لم أجد بعد ذلك إلى الصبر سبيلًا، فزينت لي نفسي الكاذبة أن أذهب إلى رضوان خازن الجنة، وكنت أحمل شهادة التوبة في يدي لأسترحمه، وألتمس منه الإذن بالدخول قبل انفضاض المحشر فما زلت أرقيه بقصائد المدح المسوَّمة[4] باسمه كما كنت أرقى بأمثالها أمثالَه من عظماء
1 للمعري رسالة طويلة جدًّا بهذا العنوان وهذه الرسالة خلاصتها. [2] مكتظة مملوءة. [3] ساورته الهموم واثبته وملكت ناصيته. [4] المسوَّمة: المعلقة.