نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 191
لمّا توفّي الماجد الصالح محمّد نظمت هذه القصيدة معزّياً بأبيها ولديه المصطفى والحسن وكانت قد ألمت أسباب قد اقتضت تأخّرها شهراً كاملاً فكتبت أمام القصيدة هذه المقدّمة الفريدة كالإعتذار عن التأخير وقرأتا معاً في محفل الرثاء، وهاهي المقدّمة:
وقفت على الزوراء وهي يتيمة ... تحنُّ لمن أبقى المعالي ثواكلا
فتنعاه طوراً للفواضل والنهى ... وطوراً له تنعى النهى والفواضلا
قد شقّت بيد المصاب جيبها وردائها، حين أخذت رجفة الحزن أحشائها، وجزت بمدية الجزع ناصيتها ولمتيها، وبادرت حثو التراب على رأسها بكلتا يديها، وغسل الدمع من عينها سوادها، فصبغت فيه أبرادها، وبرزت في محفل النياحة، معولة يا عظيم المناحة، موحشة العيوس والتقطيب، معلنةً بالبكاء والنحيب، ما ترائت للعيون ماثله، إلاّ وأنشأت قائلة:
بكائي بعيني لم يكفيني ... لمن قطع الدهر فيه وتيني
فليت توزع دمعي الأنام ... لأبكي عليه بكلّ العيون
وهي في نعاء قلق الدهر من ضجّته، وبكاء غرق الصبر في لجّته، فحين رأيت خطبها عظيما، وشاهدت كربها جسيما، مسكت بكفّي رواجف صدري، وطفقت أسألها على سبيل تجاهل العارف كأنّني لست أدري:
فقلت على من رنّة النوح والبكا ... فقالت عَلَى من لا نرى الدهر مثله
أليس أبي ذاك الذي تعهدونه ... طوت نوب الأيّام عنّي ظلله
فقلت وعندي من فؤادي بقيّة ... خذي بأيد الآخران قلبي كله
فما ينطبع في مرآة فكري، ولا يرتسم في لوح صدري، أن يروع قلبي ما بقيت صوت ناعيه، بعد أن ملأت سمعي رنّة هذه الواعة، التي ضرب فيها بازل الحزن بجرانه على صدر رباحة الكرم، وانقصمت من إلقاء كلكله عليها فقارة ظهر الشرف الأقدم، ورباع السؤدد أضحت فيها ثميلة الدمع محلولة الوكاء، بعد ما كانت مطلولة الربع بمخيلة السخاء، وعاد رواق المجد محفلاً للنوح والرثاء، بعد ما كان محلاًّ للمدح والثناء.
عادت مراث تهنيات العلى ... ينصدع القلب بإنشادها
قد رحل اليوم سرور الورى ... فلتلتمسه يوم ميعادها
قد دفنت تحت الثرى عيدها ... وأبقت النحر لأكبادها
فلا ازدهاها يوم نيروزها ... ولا أتى الفطر بأسعادها
وبمن تسر، أو تسعد مابقي الدهر، والذي كانت عيالاً عليه، وعين رجائها ممدودة إليه، قد أدرج والتقى في طاهر برده، ووسّد والصلاح في لحده، ولقد هممت أن أعقل لسان هذه الثاكلة، وأواري شخص هذه النائحة الماثلة، لتأخّر زمانها، وعدم مبادرتها كأمثالها من أترابها وأخدانها، ولقولهم "إذا قدمت المرزية سمجت التعزية" فقالت: لا واد معك الغزار، لا يقر لي قرار، دون أن أنوح عليه بما يكون كالمثل السائر، في نعوت فلك مصابه الدائر، أبتلك المراثي يناح دوني عليه، فتكون كفاءً لعظيم مصابه، وإن تقدّمتني إليه، فإليك عنّي إنّ الكلم رحيب، وما المصاب كمن يؤمّل أن يصيب، وربّ نائحة وسواها المستعبرة، "وليست الثكلى كالمستأجرة"، على أنّ كلّ يوم يمرّ من بعده، ولا يرى فيه فهو يوم فقده، وأمّا وأخلاقه الزاهرة، وتربة مرقده الطاهرة، التي لا يزال فيها نسيم الرحمة والرضوان، يهب أطيب مهب، فيحلب فيها سحائب الغفران، وإن لم يكن هناك ذنب لأن تركت لي عناني، وأطلقت في ميدان القول لساني، لأنوحنّ عليه نياحة ترجف منها الأرض بأوتادها، وتمزق عليها الدنيا أحشائها قبل أبرادها، ولأدعنَّ ساعة قيامي بها تشبه قيام الساعة، حتّى يحطم الدهر صدره وأضلاعه، وتقول للخنساء أين أنت منها، ويا بنة الأرا خلفك عنها، فخلعت عنها عذارها، وتركت لها مضمارها، وأوسعت لها من مجالها، فافتتحت في عتاب الدهر براعة استهلالها:
يا دهر ما شئت فاصنع هان ما عظما ... هذا الذي للرزايا لم يدع ألما
رزءٌ تلاقت رزايا الدهر فاجتمعت ... فيه فهوَّن ما يأتي وما قدما
ما بال أُمّ الليالي فيه قد حملت ... فليتها وأبا أيّامها عقما
لقد تحكّم في الدنيا فنال بها ... من النواظر والأحشاء ما احتكما
عجّت ولا كعجيج الموقرات به ... وهل تلام وهذا ظهرها انقصما
مضى الذي طبّقتها كفّه نعماً ... فطبّقتها الليالي بعده نقما
الآن غودرت الآمال حائمة ... وأين في الدهر منها من ببلُّ فما
نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 191