ألا خَليا بردَ الجنوبِ فإنَّهُ ... يُداوي فؤادي مِنْ هواهُ نسيمُها
وكيفَ تُداوي الرِّيحُ شوقاً مماطلاً ... وعيناً طويلاً للدُّموعِ سجومُها
وقال آخر:
حسبتُ الغضا يشفي هُيامِي فلم أجدْ ... شميمَ الغضا يشفي هُيامَ فؤاديا
بلَى لو أتتْنا الرِّيحُ تُدلجُ موهناً ... بريحِ الخزامى كانَ أشفى لِما بِيا
وقال الوقاف وهو الورد بن الورد الجعدي:
إذا تركتْ وحشيَّةٌ نجدَ لم يكنْ ... لعينيكَ ممَّا يشكوانِ طبيبُ
إذا راحَ ركبٌ مُصعدونَ فقلبهُ ... معَ المصعدينَ الرَّائحينَ جنيبُ
وكانتْ رياحُ الشَّامِ تُبغضُ مرَّةً ... فقدْ جعلتْ تلكَ الرِّياحُ تطيبُ
وقد كانَ علويُّ الرِّياحِ أحبَّها ... إلينا فقدْ دارتْ هناكَ جنوبُ
وقال آخر:
ألا حبَّذا يومٌ تهبُّ به الصَّبا ... لنا وعشيَّاتٌ تدانتْ غيومُها
بنُعمانَ إذْ أهلي بنُعمانَ جيرةٌ ... لياليَ إذْ يرضَى بدارٍ مقيمُها
وقال كلاب بن عقبة:
بأهلي ونفسي مَنْ تجنَّبتُ دارهُ ... ومَنْ لا أرَى لي مِنْ زيارتهِ بدَّا
ومَنْ ردَّني إذْ جئتُ زائرَ بيتهِ ... ولو زارَ بيتي ما أُهينَ ولا رُدَّا
ومَنْ لا تهبُّ الرِّيحُ مِنْ شقِّ أرضهِ ... فتبلغَني إلاَّ وجدتُ لها بردا
وقال آخر:
ما هبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تلقاءِ أرضكمُ ... إلاَّ وجدتُ لها برداً علَى كبدي
ولا تنسَّمتْ أُخرى أستفيقُ لها ... إلاَّ وجدتُ خيالاً منكَ بالرَّصدِ
وقال ابن الدمينة:
يمانيَةٌ هبَّتْ بليلٍ فأرَّقتْ ... حشاشةَ نفسٍ قد تعنَّى طبيبُها
أبِيني إذا استخبرتِ هل تحفظُ الهوَى ... أُميمةُ أم هلْ عادَ بعدِي رقيبُها
وقال الورد بن الورد العبسي:
ألا ليتَ أنَّ الرِّيحَ في ذاتِ بينِنا ... رسولٌ فتطوي بينَنا بلداً قفْرا
فتخبرَها ماذا لقينا منَ الهوَى ... وتُخبرنا عنها علانيَةً جهرا
وقال آخر:
ألا يا جبالَ الغورِ خلِّينَ بينَنا ... وبينَ الصَّبا يخرجُ علينا سَنينُها
فقدْ طالَ ما حالت ذُراكنَّ بينَنا ... وبينَ ذُرى نجدٍ فما نسْتَبينُها
وقال طريح بن إسماعيل:
هلِ الرِّيحُ مِنْ صبٍّ مقيمٍ مريحةٌ ... علَى الظَّاعنِ النَّائي سلامَ المسلمِ
وكيفَ تناسى مَنْ تجدِّدُ ذكرَهُ ... نسيمُ الرِّياحِ للصَّبا المتنسَّمِ
وقالت العيوق بنت مسعود:
إذا هبَّتِ الأرواحُ زادتْ صبابةً ... عليَّ وبرحاً في فؤادي هبوبُها
ألا ليتَ أنَّ الرِّيحَ ما حلَّ أهلُنا ... بصحراءِ نجدٍ لا تهبُّ جنوبُها
وآلتْ يميناً لا تهبُّ شمالُها ... ولا نكباً إلاَّ صَباً نستطيبُها
وقال آخر:
ألا حبَّذا ريحُ الأُلا إذا جرتْ ... بريَّاهُ هبَّاتُ الرِّياحِ الجنائبُ
وإنِّي لمعذورٌ إلى الشَّوقِ كلَّما ... بدَا لي مِنْ نخلِ الصَّباحِ النَّصائبُ
وقال آخر:
هلِ الرِّيحُ أوْ برقُ اليمامةِ مخبرٌ ... ضمائرَ حاجٍ لا أُطيقُ لها ذكرا
سُليمى سقَاها اللهُ حيثُ تصرَّفتْ ... بها غُرباتُ الدَّارِ عن دارِنا القطرا
إذا درجتْ ريحُ الصَّبا وتنسَّمتْ ... تعرَّفتُ مِنْ نجدٍ وساكنهِ نشرا
تقرَّفَ قرحُ القلبِ بعدْ انْدِمالهِ ... فهيَّجَ دمعاً لا جموداً ولا نذرا
الباب الحادي والثلاثون
في لوامعِ البروقِ أُنسٌ للمستوحشِ المشوقِ
حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي قال حدثنا عبد الله بن شيب قال حدثنا مروان بن أبي بكرة قال حدثني محمد بن إبراهيم الليثي قال حدثني محمد بن معن الغفاري قال اقتحمتِ السَّنة ودخل المدينة ناسٌ من الأعراب منهم صرَّة من كلاب وكانوا يدعون عامَهم ذلك الجُراف قال فأبرقوا ليلة في النَّجد وغدوت عليهم فإذا غلام منهم قد عاد جلداً وعظماً ضيعةً ومرضاً وضمانة حبٍّ وإذا هو قد رفع عقيرته بأبيات والهاً من الليل:
ألا يا سنا برقٍ علَى فلكِ الحمى ... ليَهنكَ مِنْ برقٍ عليَّ كريمُ
لمعتَ اقتداءَ الطَّيرِ والقومُ هجَّعٌ ... فهيَّجتَ أسقاماً وأنتَ سليمُ