ثمَّ ملنا علَى تميم فأحرمنا ... وفينا من كل حيٍّ إماءُ
وأكلنا بذلك النَّاس حتَّى ... ملك المنذر بن ماء السَّماءُ
ملك أضلع البرية ما يو ... جد فيه لما لديه كفاءُ
أيها الشانئ المرقش عنّا ... عند عمرٍو فما له إبقاءُ
لا تهنّا بما فرشت فإنّا ... طال ما قد وشى بنا الأعداءُ
فبقينا علَى الشناءة تنمي ... نا حدود أعزة قعساءُ
في أبيات عدة من هذه القصيدة فيها تمام الباب، تركناها لشهرتها.
وهذه القصيدة وإن كانت من السبع الجارية على ألسن الصبيان والمبتدئين، فلم يمنع ذلك من ذكرنا للأدباء والمتأدبين، وإنَّما غرضنا من هذا الباب أن نذكر ما ارتجل من الأشعار الَّتي لم تجرِ رياضتها في الادِّكار، فإذا أضربنا عن ذكرها، وهي من خير ما ذكرناه، كان غلطاً في التأليف، وهجنة على صاحب التصنيف، وعلى أنّا لم نرسم منها إلاَّ قليلاً من كثير، ولم ندع ما تركناه منها رغبةً عنها، غير أن الباب لا يسعه. ولعلي بن جبلة قصيدة ارتجلها بحضرة أبي دلف من وقته، وذلك أنَّه دخل عليه في الشعراء، ولم يكن أعدَّ له من نحو ما أعدوه، وهي الَّتي يقول فيها:
ريعت لمنشور علَى مفرقةٍ ... ذُمّ لها عهد الصبا حين انتسب
أشرقن في أسود أزرين به ... كان دُجاه لهوى البيض سبب
فنازل لم يبتهج بقربه ... وذاهبٌ ألقى جوًى حين ذهب
كان الشَّبابُ لمَّة أبهى بها ... وصاحباً حرّاً عزيز المصطحب
إذْ أنا أُجري سادراً في غيِّه ... لا أعتب الدَّهر إذا الدَّهر عتب
أبعد شأو اللَّهو في أترابه ... وأقصدُ الخَوْدَ وراء المحتجب
ثمَّ انقضى ذاك كأنْ لم تُغنِه ... وكل مغنى فإلى يوم عطب
فحمّل الدَّهر ابن عيسى قاسماً ... ينهضْ به أبلج فرَّاج الكُرَب
تكادُ تُبدي الأرض ما تضمره ... إذا تداعت خيله هلاّ وهب
ويستهلُّ أملاً وخيفةً ... بينهما إذا استهلّ أوْ خطب
يا زهرة الدُّنيا ويا باب النَّدَى ... ويا مجير الرّعب من يوم الرهب
خذها امتحاناً من مليء بالثنا ... لكنه غيرُ مليءٍ بالنشب
وفي هذه القصيدة أبيات في وصف الفرس مقدمة على أكثر ما في نحوها، وقد ذكرناها في بابها، فكرهنا إعادتها. وعلي بن جبلة هذا هو المعروف بالعكوك، وهو جيد الذكر، مُستعذب الشعر، حسن البديهة والروية.
وبلغني أن أبا دلف قال له: إنَّما تحسن أن تمدح، ولا تحسن أن تهجو. فقال له: الهجاء هدم، والمدح بناء، ومن يُحسن البناء، يُحسن الهدم، فلم يقبل القاسم ذلك منه فقال:
أبا دُلفٍ يا أكذبَ النَّاس كلهم ... سواي فإنِّي في مديحك أكذُب
فقال له: ويلك، أسمع هذا منك، قال: لا، قال: فلا تسمعه أحداً. الباب السابع والثمانون
ذكر
الشعر الَّذي يستظرف لخروجه عن حد ما يعرف
هذا شعرٌ لا يعجم منه شيء البتَّة.
احمد إلهك واعلم ما دعاك له ... وسارع الدَّهر واعمل أوْ دع العملا
المرءُ للأمل الممدود مأكله ... والله مدَّ لأهل المدة الأملا
عدّ العداوة للإسلام وارم له ... دار المهالك واعمد مُعمداً سهلا
واعدل لدى الحكم عدلاً لا مردَّ له ... ودم دوام هُداة كلهم عدلا
ومثله:
أسلُ هماً وأحمد الله ودَعْ ... كل ما أوردَ همّاً وأرح
ودع الحرص لأهل الحرص لا ... عدّ للحرص ولا أهل المرح
وعدو عاد سلماً مُصلحاً ... صلْ ودعْ ما كرَّ دهر أوْ رمح
واسمحْ الدَّهر واكرمْ مسلماً ... حصَّل السرّ له كل المدح
طمع المرء حِمامٌ مُهلكٌ ... كلما أطعمه أمرٌ ألَح
أصلح الله لك المال من ال ... حالِ ما أصلحه الله صلح
ومثله:
ارعَ الوداد لأهل ودِّك كلّهم ... وأودهم رأس الصلاح مُحَدّدُ
واحملْ لأهل الود كلّ مُلمَّةٍ ... واعمل كما عمل الودود الأسعدُ
والله مورد ما أرادَ محلَّهُ ... ملك له كرم العلا والسؤددُ
ملك هو المحمود طهَّر ملكه ... كرم وحلم وهو عالٍ أوحدُ
ولبعض أهل هذا العصر:
لو سامح الدَّهر أوْ لو ساعد العمرُ ... لم أرعَ عهداً سواك الدَّهر يا عُمرُ