وليس لمن يركب الهول بغيةٌ ... وليس لأمرٍ حطَّهُ الله حاملُ
إذا أنت لم تعرض عن الجهلِ والخنا ... أصبت حليماً أوْ أصابك جاهلُ
قال عدي بن زيد:
كفى زاجراً للمرء أيَّام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتدي
فنفسك فاحفظها من الغيّ والرَّدَى ... مَتَى تغوها تغو الَّذي بك يقتدي
وإن كانت النعماء عندك لامرئٍ ... كفاك بها فاحدُ المطالب وازددِ
وللبَخلة الأولى لمن كانَ باخلاً ... أعفُّ ومن يبخل يُلَمْ ويزهَّدِ
إذا ما امرؤ لم يرجُ منك هوادةً ... فلا ترجُها منه ولا دفع مشهدِ
وعَدِّ سواهُ القوم واعلم بأنَّه ... مَتَى ما يبُنْ في اليومِ يصرمك في الغدِ
إذا أنت فاكهتَ الرِّجال فلا تَلَعْ ... وقلْ مثل ما قالوا ولا تتزيَّدِ
عن المرءِ لا تسأل وابصر قرينه ... فإنَّ القرين بالمقارن يقتدي
وظلم ذوي القُربى أشدُّ مضاضة ... علَى المرءِ من وقع الحسامِ المُهنَّدِ
وفي كثرة الأيدي عن الظّلم زاجرٌ ... إذا حضرتْ أيدي الرِّجال المُشهّدِ
قال آخر:
إذا أنتَ أعطيتَ القليلَ فلا تكن ... ل مستقلاً عن طريقِ التجبّرِ
ولا من طريق المنِّ مستكثراً لما ... فعلت وأنت المرءُ غير مُقصّرِ
وعُد للَّذي أوليته العُرف مرَّةً ... بعائد فضلٍ منك غير مكدَّرِ
ولا تستعض منه ثناءً فترجعا ... سواءٌ ويبقَى الفضل كالمتحيّرِ
قال آخر:
دار الصُّديق إذا استشاط تغيّظاً ... فالغيظ يُخرجُ كامن الأحقادِ
ولربَّما كانَ التغضّبُ باحثاً ... لمثالب الآباء والأجدادِ
قال سعيد بن وهب:
لا خير في الشّرب إلاَّ مع أخي ثقةٍ ... إن سُرَّ غنَّى وإن غنيته طربا
يعطيك صمتاً إذا حدثته وإذا ما ... شربتَ حيّاً وإن خالطته شَرِبا
قال آخر:
أَرَى للخمر حقّاً لا أراه ... لغير الرَّاح إلاَّ للنَّديم
هو القطب الَّذي دارتْ عليه ... رحى اللَّذّات في الزَّمن القديم
قال آخر:
ألم تعلمي يا سلمُ أنِّي موكلٌ ... بما سرَّ ندمانيّ في العسرِ واليُسر
وأنيَ لم أبسط لساني ولا يدي ... لوجه نديمي حين فنَّدني سكري
قال آخر:
ليس من شأنه إذا دارت ال ... كأسُ فأزرى إدمانها بالحُلُومِ
قول ما يسخط النَّديم وإن ... أسخطَهُ عند ذاك قول النَّديمِ
قال آخر:
ورضيع راضعتُ في كبر السَّ ... نِّ وأضحَى أخاً لديَّ مُطاعا
لم يكن بيننا رضاعٌ ولكن ... صيَّرت بيننا المُدام رضاعا
قال يحيى بن زياد:
ولستُ له في فضلة الكأسِ قائلاً ... لأصرفَهُ عنها تحسُّ وقد آبى
ولكن أحييه وأكرمُ وجهَهُ ... وأشربُ ما أبقى وأسقيه ما اشتهى
قال حميد بن عبد الحميد الطوسي لبعض من استأذن عليه وهو في النبيذ:
إن كنت ترضَى بالسّواءِ وبالَّتي ... تدع الصَّحيح من الرِّجال سقيما
فادخلْ علَى حجرِ الحداق ترَى لها ... فضلاً أبانَ خلائقاً وجُسوما
مُتفضِّلينَ مقددين قد أسندوا ... زقّاً أمقّ وبَربَطاً مختوما
قال آخر:
أُعيذك من رَكبةٍ بالعشيّ ... تحطُّ وتهدمُ قدر النَّبيلِ
فإما رجعت بذلِّ الحجا ... ب وإما حللتَ محلَّ الثَّقيلِ
الباب الخامس والثمانون
ذكر ما قيل في ذم الإخوان وشكاية الزَّمان
حدَّثنا محمد بن سلمة الواسطي قال: حدَّثنا يزيد بن هارون ومحمد بن حرب قالا: حدَّثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عروة عن عائشة قال: كانت عائشة من أفصح النَّاس وأقولهم لشعر لبيد. قالت: قال لبيد في الجاهلية:
ذهبَ الَّذين يُعاش في أكنافهم ... وبقيتُ في خَلَفٍ كجلد الأجربِ
يتأكَّلون ملاذةً وخيانةً ... ويُعاب قائلهم وإن لم يَشغبِ
قالت عائشة: وكيف بلبيد لو أدرك زماننا هذا، قال عروة: فكيف بعائشة لو أدركت ما نحن فيه اليوم. قال هشام: كيف بأبي لو أدرك ما نحن فيه اليوم.