وقال أعرابيّ يهجو أباه، وذلك أنَّه دخل على كسرى، فلما نظر إلى حسن مقاصيره وبهاء مملكته أنشأ يقول:
لكسرى كانَ أعقلَ من تميمٍ ... ليالي فرَّ من بلدِ الضَّبابِ
فأسكن أهلَهُ ببلادِ رحبٍ ... وأشجارٍ وأنهارٍ عذابِ
فصارَ بنو أبيه بها ملوكاً ... وصرن نحنُ أشباه الكلابِ
فلا رحم الإله هدى تميمٍ ... لقد أزرى بنا في كلِّ بابِ
وقال آخر يمدح أباه ويهجو نفسه:
ورِثنا المجدَ عن آباء صدقٍ ... أسأنا في ديارهمُ الصَّنيعا
إذا البيتُ الرَّفيع تعاورتهُ ... بُناة السَّوْء أوشك أن يضيعا
وقال آخر:
أبوكَ أبٌ حُرٌّ وأمُّكَ حُرّةٌ ... وهل يلِدُ الحُرّانِ غيرَ نجيبِ
فلا يعجبنَّ النَّاسُ منكَ ومنهما ... فما خبَثٌ من فضة بعجيبِ
الباب الحادي والسبعون
ذكر من هجي بأصله دون ما يظهر من فضله
أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله بن الأعرابي قال: تمثل عبد الملك بن مروان لمسلمة بن عبد الملك وكان في خيله فسبق وكان ابن أمة والشعر لعبد القيس:
نهيتكُمُ أن تحملوا هجناءكم ... علَى خيلكم يوم الرّهان فتدركوا
فتُضعف ساقاه ويفترُ كفُّه ... وتحذرُ فخذاهُ فلا يتحركُ
وما يستوي المرءان هذا ابن حُرَّةٍ ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرّكُ
وأدركنه خالاته فحولنهُ ... ألا إن عِرقَ السوء لا بد مُدركُ
قال: فقال مسلمة، والشعر لمسكين الحنظلي:
وكائن ترى فينا من ابن سبيَّةٍ ... إذا التقت الخيلان يطعنها شزرا
فما زادها فينا السِّباء مذلَّةً ... ولا خبزت خبزاً ولا طبخت قدرا
ولكن خلطناها بخبز نسائنا ... فجاءت بهم بيضاً وجوهُهم زهرا
وقال أبو تمام:
إذا افتخرت يوماً تميمٌ بقَوْسها ... فخاراً علَى ما وطَّنَتْ من مناقبِ
فأنتُمْ بذي قارٍ أمالت سيوفُكمْ ... عُروش الذين استوهبوا قوس حاجبِ
مناعٍ لأقوامٍ مَتَى تَقْرِنونَها ... محاسِنَ أقوامٍ تكنْ كالمعايبِ
وقال الطِرِمَّاح:
تَميمٌ بطُرْقِ اللؤمِ أهدَى من القَطَا ... ولو سلكتْ طُرْقَ المكارمِ ضلَّتِ
أَرَى اللَّيلَ يَجلوه النهار ولا أَرَى ... رجالَ المخازي عن تميمٍ تجلَّتِ
ذبحنا فَسَمَّينا فَحَلَّ ذبيحُنا ... وما ذبحتْ يوماً تميمٌ فسمَّتِ
ولو أنَّ برغوثاً علَى ظهرِ قملةٍ ... يكُرُّ علَى ضيفيْ تَميمٍ لولَّتِ
وقال جرير:
ويُقضَى الأمرُ حينَ تَغيبُ تيْمٌ ... ولا يُستَأذَنون وهم شُهُودُ
وإنَّكَ لو رأيتَ عبيدَ تيْمٍ ... وتَيْماً قلتَ إنّهمُ العبيدُ
وقال آخر:
ولا عدمت امرءاً هالتك هيبته ... حتَّى حسبتَ المنايا تسبق الأجلا
ولا أسنَّة قوم أرشدوك بها ... سُبل الفرار فلم تعدل بها السبلا
وقال الأعشى أوْ الرّاعي:
إلى الله أشكو أنَّني كنتُ نائماً ... فقام سَلوليُّ فبالَ علَى رجلي
فقلتُ لأصحابي اقطعوها فإنني ... كريمٌ وإنِّي غير مُدْخلها رَحلي
وقال عميرة بن جُعيل:
كسا الله حيّى تغلب ابنةَ وائلٍ ... من اللؤم أظفاراً بطيئاً نُصولُها
فما بهمُ أن لا يكونوا طُروقةً ... كراماً ولكنْ غيَّرتها فحولُها
إذا رحلوا عن دارِ عزّ تقاولوا ... عليها وردوا وفدَهُم يستقيلُها
وقال آخر:
وليسوا لعمرو غير تأثيل نسبةٍ ... ولكن عمرواً غيَّبَتْهُ المقابرُ
إذا عُيّروا قالوا مقادير قُدّرتْ ... وما العارُ إلاَّ أن تجود المقادِرُ
وقال زيد بن الحكم الكلابي:
دفعناكم بالقول حتَّى بطرْتُمُ ... وبالراح حتَّى كان دفع الأصابع
فلما رأينا جهلَكمْ غيرَ مُنْتهٍ ... وما غاب من أحلامِكُمْ غير راجع
مسسنا من الإباء شيئاً وكُلنا ... إلى حسَبٍ في قومه غير واضع
فلما بلغنا الأمهات وجدتُمُ ... بنيّ عمكم كانوا كرام المضاجع
وقال آخر:
فإنَّ من غايةِ حرصِ الفَتَى ... طلابَه المعروفَ في باهله
كبيرُهم وغدٌ ومولودهم ... تلعنه من لؤمه القابله
وقال جميل: