وليس لي همَّةٌ سوى طلبي ... أي الفريقين خِيرَ للهربِ
وإن رأيتُ الشُّراةَ قد قربوا ... ألجمتُ مُهري من جانب الذَّنبِ
ولستُ أيضاً فلا أغرّكما ... أُفرقُ بين العنان واللببِ
ولستُ أدري ما السَّاعدان من ال ... ترس ولا بيضة من اليلبِ
والرَّكض فوق الفراش منتطحاً ... فإنَّني فيه فارس العربِ
فأوصلها بشر إلى الأمير فلمَّا قرأها استطار ضحكاً ثمَّ دعا به فأحسن صلته.
الباب الحادي والستون
ذكر
من فضل على نظرائه ومدح بحسن رأيه
حدَّثني حمدان بن علي الوراق قال: حدَّثنا أبو بكر قال: حدَّثنا شيخ لنا قال: أخبرنا مُخالد عن عامر قال: سئلت أو سئل ابن عباس: أيّ النَّاس كان أول إسلاماً؟ قال: أما سمعت قول حسَّان بن ثابت:
إذا تذكَّرتَ شجواً من أخي ثقةٍ ... فاذكر أخاكَ أبا بكر بما فَعَلا
خير البريَّة أتقاها وأعدلها ... إلاَّ النَّبيّ وأوفاها بما حملا
الثاني التاليَ المحمودَ مشهدُهُ ... وأوَّل النَّاسِ منهم صدَّق الرُّسلا
وقال زهير:
إنَّ البخيلَ ملومٌ حيثُ كانَ ول ... كنَّ الجوادَ علَى علاَّته هرِمُ
هو الجوادُ الَّذي يُعطيكَ نائلَهُ ... عفواً فيظلم أحياناً فيضطلمُ
وقال الحطيئة:
أولئك قومٌ إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفَوْا وإن عقدوا شدُّوا
وإن قالَ مولاهم علَى أيِّ حالةٍ ... من الأمرِ رُدُّوا فضلَ أحلامكم ردُّوا
وإن كانت النَّعماءُ فيهم جَزَوْا بها ... وإن أنعموا لا كدَّروها ولا كدُّوا
يَسوسون أحلاماً بعيداً أناتُها ... وإنْ غَضبوا جاءَ الحفيظةُ والحدُّ
أقلُّوا عليهم لا أبا لأبيكُمُ ... من اللَّوم أوْ سدُّوا المكان الَّذي سدُّوا
وقد لامني أبناء سعدٍ وأسرفت ... وما قلتُ إلاَّ بالَّذي علمتْ سعدُ
وقال الأخطل:
بهم عن الجهل عن قولِ الخَنَا خرسٌ ... وإن ألمَّتْ به مكروهة صبروا
شمس العداوة حتَّى يستفاد لهم ... وأعظم النَّاس أحلاماً إذا قدروا
وقال محمد بن زياد الحارثي:
تخالهم صمّاً عن الجهلِ والخَنَا ... وخُرْساً عن الفحشاءِ عند التهاجُرِ
ومرضَى إذا لاقوا حياءً وعفَّةً ... وعند الحفاظِ كاللّيوث الخوادرِ
لهم ذلُّ إنصافٍ وأُنسُ تواضع ... بهم ولهم ذلَّت رقابُ المعاشرِ
كأنَّ بهم وصماً يخافون عارَهُ ... وما وصمُهُمْ إلاَّ اتّقاءَ المعايرِ
وقال آخر:
إن كنت تطلب صفوة من عيشةٍ ... فاجعلْ محلَّك بين آل زيادِ
تحللْ بقومٍ من أُميَّة سادة ... زهر الوجوه أعفَّة أنجادِ
الموطئين بجارهم أكتافهم ... والجاعلين لهم صدور النَّادي
وقال كثيّر:
شهدتُ ابنَ ليلَى في مواطن قد خلتْ ... يزيدُ بها ذا الحلمِ حلماً حُضورها
فلا هاجراتُ القولِ يُؤثرنَ عنده ... ولا كلماتُ النُّصحِ مُلقى مُشيرها
تَرَى القومَ يخفونَ المواعظَ عنده ... ويُنذرهمْ عورَ الكلامِ نَذيرها
وقال معن بن أوس:
وما بلغت كفّ امرئ متناولٍ ... من المجدِ إلاَّ حيث ما نلت أطولُ
ولا بلغَ المهدونَ نحوكَ مدحةً ... ولا أطنبوا إلاَّ الَّذي فيكَ أفضلُ
وقال أبو دهبل:
نَزْر الكلام من الحياءِ تخالهُ ... سقماً وليسَ بجسمهِ سقْمُ
عُقِمَ النِّساءُ فما يلدنَ بشبههِ ... إنَّ النِّساء بمثله عُقْمُ
وقال مروان بن أبي حفصة لمعن بن زائدة:
تشابه يوماه عليَّ فأشكلا ... فما نحن ندري أيَّ يوميه أفضلُ
أيوم نداه أم يوم بأسه ... وما منهما إلاَّ أغرّ محجّلُ
وقال الحسين بن مطير:
له يوم بؤسٍ فيه للنَّاس أبؤسُ ... ويومُ نعيم فيه للنَّاس أنعُمُ
فيمطر يوم الجود في كفِّه النَّدَى ... ويمطر يوم البأس من كفِّه الدمُ
فلو أنَّ يوم الجود خلَّى يمينه ... علَى الأرض لم يصبح علَى الأرضِ معدمُ
ولو أنَّ يوم البأس خلَّى شماله ... علَى الأرض لم يصبح علَى الأرضِ محرمُ
وقال أبو دهبل:
ما زلت للعفو في الذُّنوب وإط ... لاقٍ لعانٍ بجرمِهِ غلقِ