نبيّ الهدى طيبٌ صادقٌ ... رحيم رؤوف بوصل الرحمْ
به ختم الله من قبله ... ومن بعده من نبيٍّ ختمْ
يموت كما مات من قد مضى ... يُردُّ إلى الله باري النسمْ
مع الأنبياء في جنان الخلود ... همُ أهلها غير حل القسمْ
وقال حسان بن ثابت:
هجوت محمداً فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
وقال الله قد أرسلت عبداً ... يقول الحق ارتفع البلاء
أتهجوه ولستَ لهُ بكفءٍ ... فشرّكما لخيركما الفداءُ
وهذا لعمري من أحسن الكلام لفظاً وأصحَّه معنى ولا أعرفُ بعده في الأنصاف غاية، ولا أقلَّ منه في الاختصار نهاية. ومن أشبه شيء به قصة عبد الله ابن رواحه حين تظلّمت اليهود من خرصه عليهم بخيبر فقال: إن شئتم أخذتموه بخرصي، وأعطيتموني ما يجب، وإن شئتم أخذتموه بما خرصته وقاسمتكم فأعطيتكم حقكم منه على ذلك. فقالت اليهود: هذا والله الحق، بهذا قامت السَّموات. وهذا المعنى الَّذي اختاره حسان رحمه الله في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلّم وهو الاختيار في مثله، لأن من استعار وصفه بغاية ما يستحقه، والاقتصار من مدحه على ما لا يتهيأ للخصم دفعه أولى من غيره، وبما عسى أن يمدح النبيّ صلى الله عليه فيكون مستوعباً لفضله، ومقارناً لوضعه. وكل ما مدح فإنما يجري إلى منتهى عمله. وفضله صلى الله عليه، يُحلّ عن أن تدركه الخواطر والأفكار ويكبر عن أن تحيط بجمعه الروايات والأخبار صلى الله عليه وعلى أصحابه وآله المنتجبين صلاة تُبلّغه رضاه، وتتجاوز به إلى أن يقصر عنه مناه. وعليه وعليهم السلام ورحمة الله. الباب الثالث والخمسون
ذكر
ما قاله شعراء الإسلام في أهل بيت النبي
عليه السلام.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يرثي عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما:
أتاني أن هنداً خل ضخمٍ ... دعتْ دَرَكاً وبشَّرت الهُنُودا
فإن تفخر بحمزةَ يومَ ولَّى ... مع الشُّهداء مُحتسباً شهيدا
فإنا قد قتلنا يومَ بدرٍ ... أبا جهلٍ وعُتبةَ والوليدا
وشَيْبةَ قد تركنا يوم أُحدٍ ... علَى أثوابهِ عَلقاً حَشيدا
وثوّى من جهنَّمَ شرَّ دارٍ ... عليه ولم يَحدْ عنها مَحيدا
فما سيَّان من هو في جحيمٍ ... يكونُ شرابهُ فيها صديدا
ومن هو في الجنان يُدَرُّ فيها ... عليه الرّزق مُغتبطاً حميدا
وقال أمير المؤمنين علي أيضاً يرثيه رضي الله عنهما:
رأيت المشركين بَغَوا علينا ... ولجَّوا في الرَّديدةِ والضَّلالِ
وقالوا نحنُ أكثرُ إذْ تقُونا ... غداةَ الرَّوع بالأسلِ النّهالِ
فإن يبغوا ويفتخروا علينا ... بحمزة فهو في الغُرُفِ العوالي
فقد أودَى بعُتبة يومَ بدرٍ ... وقد أبلى وجاهدَ غير آلِ
وقد غادرتُ كبشهم جهاراً ... بحمدِ اللهِ طلحةَ في المجالِ
فخرَّ لوجهه ورفعتُ عنه ... رقيَ الحدِّ جُوَّدَ بالصِّقالِ
وقال حسان بن ثابت يرثيه رضي الله عنهما:
هل تعرف الدَّار عفا رسمُها ... بعدَكَ صوْبَ المُسبل الهاطلِ
سألتُها عن ذاك فاستعجمتْ ... لم تدرِ ما مرجوعةُ السَّائلِ
دعْ عنك داراً قد عفا رسمُها ... وابكِ علَى حمزةَ ذي النَّائلِ
واللابسِ الخيلَ إذا أحجمتْ ... كالليث في غاباته الباسلِ
أبيض في الذّروة من هاشمٍ ... لم يَمْردون الحقّ بالباطلِ
مالَ شهيداً بين أسيافكم ... شلَّتْ يدا وحشيِّ من قاتلِ
أظلمت الأرضُ لفقدانهِ ... واسودَّ لونُ القمرِ الناصِلِ
صلَّى عليك الله في جنَّةٍ ... عاليةٍ مُكرمَةِ الدَّاخلِ
كنَّا نرَى حمزة ذخراً لنا ... من كلِّ أمرٍ نالنا نازلِ
وكانَ في الإسلامِ ذا تدراءٍ ... لم يكُ بالواني ولا الخاذلِ
لا تفرحي يا هندُ واستحملي ... دمعاً وأذري عبرَةَ الثاكلِ
وابكي علَى شيبة إذْ قطَّهُ ... بالسَّيف تحت الرَّهج الكاهلِ
إذْ مالَ في مشيخةٍ منكُمُ ... في كلِّ عاتٍ قلبُهُ جاهلِ
نقلتُمُ حمزة في عصبةٍ ... تمشون تحت الحلق الفاصلِ