قد وفَّينا بحمد الله من التَّشبيب بكل ما ضمنَّاه على حسن الترتيب الَّذي قدَّمناه فأفردنا له خمسين باباً ووفَّينا كلّ باب مائة بيت مع ما دخل فيها من توابع الأبيات وشواهد الاحتجاجات ولو لم يدخل في الباب من الشعر إلاَّ ما يواطئ ترجمته مفرداً من كل ما يتصل به لجاء أكثر الأشعار متبتِّراً ولبقي عامَّة الكلام مستوحشاً لأنَّ البيت يقتضي الأبيات والكلام يطلب الاحتجاجات وليس حسناً أن يُذكر البيت لمعنًى فيه يشاكل الباب وتُفرد سائر معانيه المتعلّقة بالبيت الَّذي يليه ممَّا ينتظم معها وينبّه على صحَّتها وحسنها على أنَّه لو لزمنا أن لا نضمّن الباب إلاَّ ما يطابق لفظه مفرداً ممَّا يقتضيه ويتَّصل به ألزمنا تفصيل المصراع من المصراع الَّذي لا يشاكله حتَّى لا يكون في البيت كلمةٌ تقتضي معنًى ليس الباب موجباً له لأنَّ في أشعار بلغاء العرب الَّذي يتضمَّن أوَّله معنًى ويتضمَّن آخره غيره إذ البلاغة الصحيحة والمخاطبة الفصيحة في جمع المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة وربَّما تضمَّن المصراع المتأخِّر ضدَّ ما يتضمنَّه المصراع المتقدّم ولو فعلنا ذلك لخرج كتابنا عن حدّ العلوم المستعملة والآداب المستحسنة إلى حدّ الجهالات المطربة والنوادر المضحكة ولخرجت الأبيات لتقطّع نظامها وبتر كلامها عن باب الأشعار فإذا كان الاختيار والاضطرار معاً يمنعان من أن لا ندخل في باب إلاَّ ما توجبه ترجمته المتقدّمة له إذاً فلا بدَّ من إدخال البيت مع البيت يزاوجه ومع الاحتجاج يطابقه وإن كان ممَّا لو أُفرد في نفسه لكان البيت غنيّاً عن ذكره والَّذي منعني أن أجعل أبيات كلّ باب مائة كاملة في خاصّية معناه سوى ما يتَّصل به ممَّا يدخل في معنى سواه شيئان أحدهما أنِّي لو فعلت ذلك لم أضبطه إلاَّ بتحليل المقطوعات بل بانتخاب كلّ واحد من الأبيات وفي ذلك ما قدَّمنا ذكره من تهجين الكتاب وتقبيح الأبواب والآخر أنَّ الأبواب حينئذٍ كانت تكون بغير عددٍ محصورٍ ولا حدّ مقصور وإنَّما عمدنا أن يكون الكتاب مائة باب بمائة بيت فيشتمل طرفاه على عشرة آلاف بيت وللمحافظة على ذلك والمراعاة لتمام الشَّرط فيه أعدت فيما ذكرته من سرقات الشعراء خمسة أبيات فقد مرَّت في أبواب الغزل تكون قصاصاً من الخمسة الأبيات الَّتي في الرسالة المقدَّمة في صدر الكتاب فنحن لأن لا يخرج العدد عن حدّ ما قصدناه أعدنا أبياتاً قصاصاً عن الأبيات ليست محسوبة في باب وإنَّما هي متمثَّل بها في عروض الخطاب فلو سامحنا في أن تكون الاحتجاجات والأبيات المتعلّقات بما يشاكل الباب من الأبيات غير داخلات في العدد لاستحالت التَّسوية بين الأبواب ولفسد ترتيب الكتاب.