responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الزهرة نویسنده : ابن داود الظاهري    جلد : 1  صفحه : 141
لأنتِ علَى التَّنائِي فاعْلَميهِ ... أحبُّ إليَّ مِنْ بصري وسمعِي
الباب الخمسون
قليلُ الوفاءِ بعدَ الوفاةِ أجلُّ مِنْ كثيرهِ وقتَ الحياةِ
الوفاء اسم للثَّبات على الشَّرائط فكلُّ من عقد على نفسه أو عقد عليه غيره ممَّن يلزمه عقده شيئاً فثبت عليه ولم يزل عنه سمِّي موفياً وكلُّ من شرط على نفسه شرطاً وزال عنه للزَّوال سمِّي غادراً وليس يسمَّى موفياً من فعل فعلاً جميلاً لم يشرط على نفسه فعله ولا شرطه عليه من يلزمه شرطه ولا يسمّى غادراً من فعل فعلاً قبيحاً لم يجب عليه تركه ولا شرط عليه من يحبُّ شرطه فالمحبوب يكون موفياً لمحبِّه ويكون غادراً بعهده والمحبّ لا يكون موفياً ولا غادراً لأنَّ محبَّته قائدةٌ له إلى محابّ إلفه فيما يصلح الانقياد إلى مثله فهو يأتي طاعته بطبعه لا وفاءً بشرط لزمه وكلّ من لم يصلح أن يسمَّى موفياً لم يصلح أن يسمَّى غادراً وإنَّما يصلح أن يكون المحبوب موفياً وغادراً لأنه يأتي ما يأتيه مختاراً ويشرط لإلفه الشَّرائط على نفسه فيفعل ما ضمن أو يتركه فيكون موفياً أو غادراً بفعله أو تركه وهذا الَّذي ذكرناه من أنَّ المحبّ لا يكون موفياً ولا غادراً إنَّما هو ما دامت محبَّته قائمة فأمَّا إذا زالت المحبَّة بسلوٍّ عارض أو بوفاة المحبوب فالمحبّ حينئذ يكون موفياً غادراً.
قالت امرأة من عامر بن صبعة:
وإنِّي لأستحييهِ والتُّربُ بينَنا ... كما كنتُ أستحييهِ حينَ يرانِي
أهابُكَ إجلالاً وإنْ كنتَ في الثَّرَى ... لوجهكَ يوماً إنْ يسؤْكَ مكانِي
ويروى عن هذه المرأة أنَّها زارت قبر زوجها وعليها حليٌّ وثيابٌ مصبَّغة فالتزمت القبر ثمَّ أنشأت تقول:
يا صاحبَ القبرِ يا مَنْ كانَ ينعمُ بي ... عيشاً ويكثرُ في الدُّنيا مؤاتاتِي
نسيتَ ما كنتَ مِنْ قربِي تحبُّ وما ... قدْ كانَ يُلهيكَ مِنْ ترجيعِ أصواتِي
أزورُ قبركَ في حلْيٍ وفي حُللٍ ... كأنَّني لستُ مِنْ أهلِ المصيباتِ
فمنْ رآنِي مِنْ حزنِي مفجَّعةً ... طويلةَ الحزنِ في زوَّارِ أمواتِ
فبينما هي ملتزمة القبر إذ شهقت شهقةً فماتت وليس موت هذه المرأة بعد وفاة زوجها بمدَّة نقضاً لما قدَّمنا ذكره في الباب الَّذي ذكرنا فيه أنَّ من يئس ممَّن يهواه فلم يلتفت من وقته سلاه لما قدَّمنا في ذلك من البرهان وأرينا فيه من الأمثال ونحن نقول الآن من فجأه الحزن دفعة واحدة من غير مقدّمة حتَّى يمضي عليه مدَّة خوف جوًى ولا حذارٍ طبيعي لم يستنكر منه أن يزول تمييزه فلا يفهم ما نزل به حتَّى تمضي عليه مدة متطاولة فربَّما انحلَّت سكرته إلى إفاقة سلوٍّ مريح وربَّما انحلَّت بوقوع تلف صحيح وعلى أنَّ الضَّنين المشفق العالم بنوب الزَّمان والمستعدّ لخطوب الأيَّام قد يلحقه بمفاجأة المكروه ما يزيل تمييزه ويبطل تدبيره وينسيه ما كان ذاكراً له ولمعترفاته وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناله من وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم ما لا خفاء به على الخاصَّة ولا على كثير من العامَّة من انتضائه سيفه وقوله إنَّ رسول الله لا يموت وليقومنَّ فليقطّعنَّ أيدي رجالٍ وأرجلهم حتَّى قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه إن الله جلَّ وعزَّ يقول) إنَّك ميتٌ وإنَّهم ميّتون (قال عمر رضي الله عنه فكأنِّي لم أسمعه إلاَّ يومئذ ويروى عن إبان تغلب أنه قال بينا أنا في بعض الفلوات في طلب ذود ضالَّة إذ بصرت بجارية أعشَى إشراق وجهها بصري فقالت لي مالي أراك مدلَّهاً قلت في طلب ذودٍ لي ضالَّة قالت هل أدلّك على من يعلم علمهنَّ فإن شاء ردَّهنَّ عليك فقلت نعم بأبي أنتِ مسرعاً قالت إنَّ الَّذي أعطاكهنَّ هو الَّذي أخذهنَّ فاسأله من طريق اليقين لا من طريق الاختيار فلمَّا رأيت حسن منظرها وحلاوة منطقها قلت هل لك من زوجٍ؟ قالت كان فدُعيَ فعاد إلى ما منه خُلق فأجاب فقلت فهل لك من زوجٍ لا تُخشى بوائقه ولا تذمُّ خلائقه؟ فأطرقت مليّاً وعيناها تهملان بالدُّموع ثمَّ أنشأت تقول:
كنَّا كغُصنينِ في أرضٍ غِذاؤهُما ... ماءُ الجداولِ في روضاتِ جنَّاتِ
وكانَ عاهدَني إنْ خانَني زمنٌ ... ألاَّ يضاجعَ أُنثَى بعدَ مثواتِي

نام کتاب : الزهرة نویسنده : ابن داود الظاهري    جلد : 1  صفحه : 141
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست