فهذا عافانا الله وإيَّاه ألوَم في هذا النَّوم من كلِّ ما لمناه لأنَّ الإنسان يشغل قلبه بمجيء خادمه من حاجة لا قدر لها في قلبه فيشغله ذلك عن نومه فكيف لمن يعِده من يهواه بزيارة فينام عن موعده.
وقال البحتري:
أُنظرْ إلى ناظرٍ قدْ شفَّهُ السّهدُ ... واعطفْ علَى مهجةٍ أودَى بها الكمدُ
لا ذُقتَ ما ذاقهُ مَنْ أنتَ مالكهُ ... ولا وجدتَ بهِ مثلَ الَّذي يجدُ
أخفَى هواكَ فنمَّتهُ مدامعهُ ... والعينُ تعربُ عمَّا ضمَّتِ الكبدُ
فإنْ جحدتَ الَّذي قاساهُ بينهُما ... فشاهداهُ عليكَ الخدُّ والجسدُ
وأنشدني محمد بن الخطاب الكلابي لنفسه:
أرقتُ وحالفتْ لِينَ الوِسادِ ... ولمْ يسعدْ ولُذَّتْ بالمهادِ
وباتتْ والسُّرورُ لها ضجيعٌ ... يجنَّبها مجانبةُ الرُّقادِ
وبتُّ ومرهفاتُ الشَّوقِ تفرِي ... بها عنقَ الكرَى يدُ السُّهَادِ
فكمْ تروِي بأدمعِنا خدوداً ... لنا جرحَى وأنفسُنا صوادِ
وقال آخر:
تطاولَ أيَّامي ولَلَّيلُ أطولُ ... ولامَ علَى حبِّي أُميمةَ عُذَّلُ
يلومونَ صبّاً أضرعَ الحبُّ جسمهُ ... وما ضرَّهمْ لوْ لمْ يلوموا وأجملوا
وقال آخر:
قدْ كانَ يكفيكَ ما بالحسمِ مِنْ سقمٍ ... لِمْ زِدْتني سهراً لا مسَّكَ السَّهرُ
عينٌ مُؤرَّقةٌ والجسمُ مختبلٌ ... والقلبُ بينهما تخلُو بهِ الفكرُ
يا حارِمِي لذَّةَ الدُّنيا وبهجتَها ... قد كانَ يُقنعني مِنْ وجهكَ النَّظرُ
ولبعض أهل هذا العصر:
يا مانعاً مُقلتي مِنْ لذَّةِ الوسنِ ... رُوحي تَقيكَ منَ الأسواءِ والحزنِ
واللهِ لا سكنتْ روحي إلى سكنٍ ... إلاَّ إليكَ ولا حنَّتْ إلى وطنِ
ولنْ أقولَ ولوْ أضنَى الهوَى كبدِي ... ردّاً لقولكَ لي قدْ خنتَ لم أخُنِ
هبْني غريباً أُلامُ اليومَ فيكَ ألمْ ... أكنْ حقيقاً بأنْ أُعدَى علَى الزَّمنِ
فلا تدعْ رعيَ ما قد كنتَ تعلمهُ ... منِّي يقيناً وتهجرْني علَى الظِّننِ
فلمْ تزلْ مذْ عرفتُ الحبَّ في كبدِي ... أحبَّ واللهِ مِنْ روحي إلى بدنِي
وتوهم هؤلاء بمنع أحبَّتهم إيَّاهم النَّوم وإن كان مُسقطاً عنهم لائمة النُّوَّام فإنَّه موجب عليهم ضرباً من الملام لأن في الحال يرون سهرهم بالفكر في أحبَّتهم نعمة لا يعرف قدرها فضلاً عن أن يؤدَّى شكرها.
ولقد أحسن الَّذي يقول:
يا نسيمَ الرَّوضِ في السَّحرِ ... وشبيهَ الشَّمسِ والقمرِ
إنَّ مَنْ أسهرتَ ليلتهُ ... لقريرُ العينِ بالسَّهرِ
على أنَّه غير مأمون على صاحب هذا الشِّعر أن يكون السَّهر الَّذي مدحه هو السَّهر مع إلفه لا السَّهر بالفكرة في أمره ومن أبلغ ما قيل في طول الليل.
قول خالد الكاتب:
رقدتَ فلمْ ترثِ للسَّاهرِ ... وليلُ المحبِّ بلا آخرِ
ولمْ تدرِ بعدَ ذهابِ الرُّقا ... دِ ما صنعَ الدَّمعُ بالنَّاظرِ
ولقد أكثر النَّاس في استطالة الليل وأصحّ ما قيل فيه معنًى.
قول بشار:
لمْ يطلْ ليلِي ولكنْ لمْ أنمْ ... ونفَى عنِّي الكرَى طيفٌ ألمّْ
وإذا قلتُ لها جُودِي لنا ... خرجتْ بالصَّمتِ عنْ لا ونعمْ
وأنشدني أبو الفضل بن أبي طاهر قال أنشدني أبو دعامة علي بن زيد لخليل بن هشام:
يقولونَ طالَ اللَّيلُ واللَّيلُ لمْ يطلْ ... ولكنَّ مَنْ يهوَى منَ الهمِّ يسهرُ
وكمْ ليلةٍ طالتْ عليَّ بهجركمْ ... وأُخرى تليها نلتقِي فهيَ تقصرُ
ولا أعلم أحداً استطالَ الليل ممّن خبَّر بعلّة استطالته ولا ممّن لم يخبّرها شرح السبب المضجر من اللَّيل ما هو غير الطرماح حيث يقول:
ألا أيُّها اللَّيلُ الطَّويلُ ألا اصبَحِ ... بصبحٍ وما الإصباحُ فيها بأروحِ
علَى أنَّ للعينينِ في الصُّبحِ راحةً ... بطرحِهِما طرفيهِما كلَّ مطرحِ
وهذا قول امرئ القيس:
ألا أيُّها اللَّيلُ الطَّويلُ ألا انجلِي ... بصبحٍ وما الإصباحُ فيكَ بأمثلِ