فليتَ ابنَ أوسٍ حينَ يأتيهِ أهلُها ... يخاصمهمْ أهلِي قضانِي لها عبْدا
فتربطُني ذلفاءَ في شقِّ بيتِها ... إلى الطَّنبِ الأقصَى فتوسعُني جلدا
فأضحكَ منها إذا تقولُ نساؤُها ... لكِ الويلُ يا ذلفاءُ لا تقتُلي سعدَا
وقال عروة بن حزام:
كأنَّ قطاةً عُلِّقتْ بجناحِها ... علَى كبدِي مِنْ شدَّةِ الخفقانِ
ألا ليتَنا نحيَى جميعاً وليتَنا ... إذا نحنُ مُتنا ضمَّنا كفنانِ
ألا ليتَنا عفراءُ مِنْ غيرِ ريبةٍ ... بعيرانِ نرعَى القفرَ مؤتلفانِ
وإنِّي لأهوَى الحشرَ إذْ قيلَ إنَّني ... وعفراءَ يومَ الحشرِ ملتقيانِ
وقال آخر:
ألا مَنْ لهمٍّ بتُّ وحدِي أُكابدهْ ... ومَنْ يكُ ذا همٍّ يبتْ وهوَ عامدهْ
تذكَّرتُ بطنَ الحِبرِ يا ليتَني بهِ ... إذا اعتمَّ بيتاً متنهُ وأجالدهْ
وقال الأحوص:
إنِّي لآملُ أن تدنُو وإنْ بعُدتْ ... والشَّيءُ يؤملُ أنْ يدنُو وإنْ بعُدا
أبغضتُ كلَّ بلادٍ كنتُ آلفُها ... فما أُلائمُ إلاَّ أرضَها بلدَا
يا للرِّجالِ لمقتولٍ بلا ترَةٍ ... لا يأخذونَ لهُ عقلاً ولا قوَدا
إنْ قرَّبتْ لمْ يُفقْ عنها وإنْ بعُدتْ ... تقطَّعتْ نفسهُ مِنْ حبِّها قدَدا
ما تذكرُ الدَّهرَ لي سُعدى وإنْ نزحتْ ... إلاَّ ترقرقَ ماءُ العينِ فاطَّردا
ولا قرأتُ كتاباً منكِ يبلُغُني ... إلاَّ تنفَّستُ مِنْ وجدٍ بكمْ صعدا
وقدْ بدتْ لي مِنْ سُعدى معاتبةٌ ... أمسَى وأضحَى بها جدِّي وما سعِدا
ولو أُعاتبُ ذا حقدٍ قتلتُ لهُ ... نفساً مُعاتَبَتي إيَّاكِ ما حقدا
وقال النميري:
ألا هلْ إلى نصِّ النَّواعجِ بالضُّحى ... وشمِّ الخُزامى بالعشيِّ سبيلُ
بلادٌ بها أمسَى الهوَى غيرَ أنَّني ... أميلُ معَ المقدارِ حيثُ يميلُ
وقال أبو القمقام الفقعسي:
يقرُّ بعيني أن أرَى رملةَ الغضا ... إذا ما بدتْ يوماً لعينِي قِلالُها
ولستُ وإنْ أحببتُ مَنْ يسكنُ الغضا ... بأوَّلِ راجٍ حاجةً لا ينالُها
وقال أيضاً:
تبدَّلَ هذا السِّدرُ أهلاً وليتَني ... أرَى السِّدرَ بعدِي كيفَ كانتْ بدائلهْ
فعهدِي بهِ عذبَ الجنَى ناعمَ الذُّرَى ... تطيبُ وتندَى بالعشيِّ أصائلهْ
كما لوْ وشَى بالسِّدرِ واشٍ رددْتهُ ... كئيباً ولمْ تملحْ لديَّ شمائلهْ
وقال آخر:
ألا هلْ إلى إلمامةٍ قبلَ موتِنا ... سبيلٌ وهلْ للنَّازحينَ رجوعُ
وهلْ لعيونٍ قدْ بكينَ إلى الفلا ... وأبكينَ حتَّى ما لهنَّ دموعُ
يُحاذرنَ إنْ لا يرتجعنَ إلى الفلا ... وإنْ لا يُراعُ الشَّملُ وهوَ جميعُ
الباب الأربعون
مَنْ قصُرَ نومُهُ طالَ ليلُهُ
أمَّا هؤلاء الذين ترجمنا هذا الباب بذكرهم فهم على كلِّ الأحوال أعذر ممَّن كان قبلهم على أنَّ فراغهم لوصف ما بدا لهم هُجنة بهم ودلالة على ضعف أحوالهم وقال الطائي وما أظنُّ أنَّه احترز به من هذا اللَّوم الَّذي يلحق غيره فألزم نفسه أكثر ما حذره وذلك قوله:
لستُ أدري أطالَ ليلِي أمْ لا ... كيفَ يدرِي بذاكَ مَنْ يتقلاَّ
لوْ تفرَّغتُ في استطالةِ ليلِي ... ولرعيِ النُّجومِ كنتُ مخلاَّ
فهو وإنْ كانت جهالته بحاله دالَّة على قوَّة اشتغاله فإنَّ علمه بالعلَّة الَّتي أوجبت جهله بها ضربٌ من الفلسفة الَّتي لا يصلح أن يعلمها إلاَّ متخلٍّ من هذه الحالة كلِّها ففرَّ من شيءٍ ووقع في أعظم منه ألا ترى أنَّ البهائم تجد ألم ما ينالها وتُظهر التَّأذِّي به وليس يعلم أنَّ الاشتغال بالألم يمنع من وصفه إلاَّ أهل الفلسفة والحكم والتَّكلُّف إذا دخل في شيء نبَّه على موضعه وترجم عن ضمير متحلِّله ولسنا قادرين على ذكر حال تامَّة عن أحد من الشُّعراء في هذا الباب لأنَّ كلّ واصف بوصفه أدلّ الأشياء على ضعفه فأهل التَّمام إذن سكوتٌ عن الوصف مستغرقون في غمراته مشتغلون به عن صفاته ولكنَّا نذكر عن أهل الضَّعف المستطيعين لترتيب الوصف أحسن ما يحضرنا من أقاويلهم وما زادوا فيه على أمثالهم ونظرائهم.
قال النابغة الذبياني: