فهلْ يصلُ السَّقيمُ إلى شفاءٍ ... إذا كانَ الدَّواءُ هوَ السَّقامُ
وله أيضاً:
أغريْتَني بحياتي إذ غريتَ بها ... فصارَ طولُ بقائي بعضَ أعدائي
فكيفَ يُنعشُ من أرداهُ ناعشهُ ... ومن يرى جسمهُ رأيَ الأطبَّاءِ
أمْ كيفَ يبرأُ قلبي من صبابتهِ ... بطبِّكمْ ودوائي عندكمْ دائي
وله أيضاً:
متى يا شفاءَ السُّقمِ سُقميَ مُنقضي ... إذا ما دواءٌ كانَ للدَّاءِ مُمرضي
فهيهاتَ ما هذا علَى ذا يقلع ... أجلْ لا ولكن مدَّةُ العمرِ تنقضي
وقال آخر:
ومُختلسٍ باللَّحظِ ما لا ينالهُ ... قريبٍ بحالِ النَّازحِ المُتباعدِ
وفي نظرِ الصَّادي إلى الماء حسرةٌ ... إذا كانَ ممنوعاً سبيلَ المواردِ
وقال آخر:
خليليَّ أضحتْ حاجةٌ لأخيكُما ... بتوضحَ والحاجاتُ يُرجى بعيدُها
فكيفَ طِلابي حاجةً لا ينالُها ... بريدي ولا يجري إليَّ بريدُها
فهل ينفعُ الحرَّانةَ الكبدِ أن ترى ... حياضَ القِرى من دونها من يذودها
وهلْ ينفعُ العينَ الشَّقيَّةَ بالبُكا ... ذُرى طامسِ الأعلامِ لا بلْ يزيدها
وقال مجنون بني عامر:
تداويتُ من ليلى بليلى من الهوَى ... كما يتداوى شاربُ الخمرِ بالخمرِ
ألا زعمَتْ ليلى بأنْ لا أُحبُّها ... بلى واللَّيالي العشرِ والشَّفعِ والوترِ
إذا ذُكرتْ يرتاحُ قلبي لِذكرها ... كما انتفضَ العُصفورُ من بللِ القطرِ
وقال البحتري:
سقى الله أخلاقاً من الدَّهر رطبةً ... سقتْنا الجوى إذ أبرقُ الحزنِ أبرقُ
ليالٍ سرقناها من اللَّهوِ بعدما ... أضاءَ بإصباحٍ من الشَّيبِ مفرقُ
تداويتُ من ليلى بليلى فما اشتفى ... بماءِ الرُّبى من باتَ بالماءِ يشرَقُ
وقال جميل:
فيا حُسنها إذ يغسلُ الدَّمعُ كُحلها ... وإذ هيَ تُذري الدَّمعَ منها الأناملُ
عشيَّةَ قالتْ في العتابِ قتلْتني ... وقتلي بما قالت هناكَ تُحاولُ
فقلتُ لها جودي فقالتْ مُجيبةً ... ألِلْجدِّ هذا منكَ أمْ أنتَ هازلُ
لقدْ جعلُ اللَّيلُ القصيرُ لنا بكمْ ... عليَّ لِروعاتِ الهوَى يتطاولُ
والأصل في هذا كله هو لامرئ القيس:
وما ذرفتْ عيناكِ إلاَّ لتضْربي ... بسهميكِ في أعشارِ قلبٍ مُقتَّل
وقال بشار بن برد:
مريضةُ ما بينَ الجوانحِ بالضَّنى ... وفيها دواءٌ للعُيونِ وداءُ
عتابُ الفتَى في كلِّ يومٍ وليلةٍ ... وتقويمُ أضغانِ النِّساءِ عناءُ
وقال عبيد بني حسحاس:
تجمَّعنَ من شتَّى ثلاثاً وأربعا ... وواحدةً حتَّى كمُلنَ ثمانيا
يعُدنَ مريضاً هنَّ هيَّجنَ داءهُ ... ألا إنَّما بعضُ العوائدِ دائيا
وقال آخر:
كما تيقَّنتَ أنَّ الحيَّ قدْ رقدوا ... خطاكَ فوقَ رُقابِ النَّاسِ ما تجدُ
فلا بلغتَ الَّذي تشفي الغليلَ بهِ ... ولا ظفرتَ ولا نالتْ يديكَ يدُ
وقال آخر:
إنَّ الذينَ بخيرٍ كنتَ تذكُرهمْ ... همْ أهلَكوكَ وعنهمْ كنتُ أنهاكا
لا تطلُبنَّ حياةً عند غيرهم ... فليسَ يُحييكَ إلاَّ من توفَّاكا
فهذا البائس مع من قدَّمنا ذِكره مع نُظرائه قد صبر على مضاضة دائه مع علمه بأنه زائد في دائه ولم ير أن ينعطف إلى سواه ولا طلب الراحة إلاَّ من عند من ابتلاه وهذا ضدُّ الَّذي يقول:
ولمَّا أبى إلاَّ جِماحاً فُؤادهُ ... ولم يسلُ عن ليلى بمالٍ ولا أهل
تسلَّى بأخرى غيرها فإذا الَّتي ... تسلَّى بها تُغري بليلى ولا تُسلي
وضد الَّذي يقول:
تسلَّيتُ عن ذكرِ الحبيبِ بغيرهِ ... ومِلتُ إليهِ بالمودَّةِ والذِّكرِ
فما زادني إلاَّ اشتياقاً وحُرقةً ... إليهِ ولم أملكْ سُلوِّي ولا صبري
وما الحبُّ إلاَّ فرحةٌ إن نكلْتها ... بأخرى قرنتَ الضُّرَّ منكَ إلى الضُّرِّ
فلا تُطفِ نارَ الحبِّ بالحبِّ طالباً ... سُلوّاً فإنَّ الجمرَ يُسعرُ بالجمرِ