تناولها وإلا لم أذقها ... فيشربها وقد ثقلت عليه
ولكنِّي أصدّ الكأس عنه ... وأصرفها بغمزة حاجبيه
وإن مُدّ الوساد لنوم سكرٍ ... مددت وسادتي أيضاً إليه
العطوي يحث على الشرب بكرةً:
لعنَ اللهُ أول الناس سنّ الش ... ربَ ظهراً وما أتى من خسارِ
إنَّ شربَ الشراب سير إلى اللهو ... وخير المسير صدرُ النهارِ
آخر:
نبهت ندماني فهبُّوا ... قبل الصباح لما استحبوا
هذا أجاب وذا أثا ... بَ إلى الصبوح وذاك يحبو
أنشدتهم شعراً يعلّ ... مُ ذا التصابي كيف يصبو
ما العيش إلاّ أن تح ... بّ وأن يحبّك من تحبُّ
فتطربوا والأريحي ... ة شأنها طربٌ وشربُ
ولقد شربت مدامةً ... وكأنَّها قبس تشبُّ
ولقد جريت مع الزما ... نِ فما كبوتُ وكان يكبو
وممن ذكر الغبوق بعضهم:
قد تولَّى النهار واستقبل الليلُ ... خليليّ فاشربا واسقياني
قهوةً تترك الفقير غنيّاً ... حسن الظنّ واثقاً بالزمانِ
وقال آخر في إقامة عذر نديمه:
ولستُ بلاحٍ لي نديمي بزلّةٍ ... ولا هفوةٍ كانت ونحن على الخمرِ
عركتُ بجنبي قول خدني وصاحبي ... ونحن على صهباءَ طيبةِ النشرِ
فلما تمادى قلتُ خذها عريقةً ... فإنّك من قوم جحاجحة زهرِ
وما زلتُ أسقيه وأشربُ مثلما ... سقيتُ أخي حتّى بدا وضح الفجرِ
وأيقنتُ أنّ السكر طار بلبِّه ... فأغرق في شتمي وقال وما يدري
وصف الغناء وما يتعلق به
قال أبو نواس:
لا أرحلُ الكاسَ إلاّ أن يكون لها ... حادٍ بمنتحلِ الألحانِ غرِّيدُ
فاستنطقِ العودَ قد طال السكوتُ به ... لا ينطقُ اللهو حتّى ينطقَ العودُ
يعجبني قول القائل:
وعود لهو فيه أثمار المنى ... قد طابَ جانيه وطابَ الغارسُ
غنّت عليه الورقُ وهو ناضرٌ ... والغانياتُ الغيدُ وهو يابسُ
أنشد ابن الخباز النحوي في مثل هذا المعنى:
وطنبورٍ رشيق القدّ يحكي ... بنغمته الفصيحةِ عندليبا
حكى لما انتهى نغماً فصيحاً ... رواها عن عنادله قضيبا
كذا من جالسَ العلماءَ طفلاً ... يكونُ إذا انتهى شيخاً أديبا
كشاجم:
ولما عبثنَ بعيدانهنّ ... قبيل التبلُّج أيقظنني
أردنَ بذاكَ إصلاحهنَّ ... فأصلحنهنَّ وأفسدنني
وقال بعض المحدثين:
أخٌ ما يزالُ الدهرُ يكسوك حلّةً ... من البرّ لا تبلى على الطيّ والنشرِ
يشوقك أحياناً غناءً وتارةً ... حديثاً معانيه أدق من السحرِ
له نبرات تطرب الصمّ لو دعا ... بها الوحش لانقادت من السهل والوعرِ
وقال آخر:
إذا ما فاتن غنّت بصوتٍ ... ترجّعه فويل للجيوبِ
غناء تجتني الأسماع منه ... ثماراً تجتني ثمر القلوبِ
وأحسن من هذا جميعه قول القيسرانيّ في مغنٍّ وجماعة يرقصون:
والله لو أنصف الأقوام أنفسهم ... أعطوك ما ادخروا منها وما صانوا
ما أنت حين تغنّي في مجالسهم ... إلاّ نسيمُ صبا والقومُ أغصانُ
وقد ظرف القائل:
بيضاءُ يحضر طيب العيش ما حضرت ... وإن نأت غاب عنك اللهوُ والفرحُ
كلّ الثياب عليها معرضٌ حسنٌ ... وكلما تتغنى فهو مقترحُ
المعرض: ثياب تجلى فيها الجواري.
وقال آخر:
لريّا غناءٌ إذا ما شدتْ ... تميتُ قلوباً وتحيي قلوبا
تغنيكَ أوتارها قبلها ... فتتركُ ذا الشوق صبّاً طروبا
أرقُّ من الماءِ ماءِ الزلالِ ... وأشهى من الراحِ حسناً وطيبا
وأنعمُ من لذَّةِ العاشقين ... إذا ما أطاعَ حبيبٌ حبيبا
وقال آخر:
عيداننا من خير ما تسمع ... يشفى بها ذو السقم الموجعُ
أوتارها تنطق حتّى ترى ... أجفان ذي الشوق لها تدمعُ
لقد تمنيتُ لها أنّ لي ... في كل عضوٍ أذناً تسمعُ
الناجم:
ما تغنّت إلاّ تكشّفَ همٌّ ... عن فؤادٍ وأقشعتْ أحزانُ
تفضل المسمعين طيباً وحذقاً ... مثل ما يفضل السماعَ العيانُ
وقال أيضاً:
لقد برعت عاتبٌ في الغناء ... وزادت وأربت على البارعِ