يسبّحُ سامعها معجباً ... فأصواتها سبحةُ السامعِ
وقال آخر:
إذا ما حنّ مزهرها إليها ... وحنّت نحوه أذنَ الكرامُ
وأصغوا نحوها الآذان حتّى ... كأنهم وما ناموا نيامُ
وقال آخر يصف عوداً في حجر مغنية:
وكأنه في حجرها ولدٌ لها ... ضمّته بين ترائب وليانِ
أبداً تدغدغ بطنه فإذا هفا ... عركت له أذناً من الآذانِ
وقال ابن المعتز:
وندامايَ فتيةٌ وكهولٌ ... أتلفت ما لهمْ نفوسٌ كرامُ
بينَ أقداحهم حديثٌ قصيرٌ ... هو سحرٌ وما عداهُ كلامُ
وغناء يستعجلُ الراحَ بالرا ... حِ كما ناحَ في الغصونِ الحمامُ
وكأنَّ السُّقاةَ بينَ الندامى ... ألفاتٌ على سطورٍ قيامُ
وقال آخر:
شدوٌ ألذُّ من ابتدا ... ءِ العينِ في إغفائها
أحلى وأشهى من منى ... نفسي وصدقِ رجائها
وقال:
إذا احتضنت عودها عاتبٌ ... وناغته أحسن أن يعربا
تدغدغ في مهل بطنه ... فيسمعنا ضحكاً معجبا
وقال:
إذا نوتِ الضرب قبل الغناء ... أنشدنا شعرها عودها
وقال كشاجم:
وترى لها عوداً تحرّكهُ ... وكلامه وكلامها وفقا
لو لم تحرّكه أناملها ... كانَ الهواءُ يفيدهُ نطقا
جسّته عالمةً بحالته ... جسَّ الطبيبِ لمدنفٍ عرقا
فحسبتُ يمناها تحركها ... رعداً وخلتُ يسارها برقا
وقال:
أشتهي في الغناءِ بحةَ حلقٍ ... ناعم الصوتِ متعبٍ مكدودِ
كأنينِ المحبِّ أضعفهُ الشو ... قُ فضاهى به أنينَ العودِ
كهبوبِ الصبا توسّطَ حالاً ... بينَ حالينِ شدةٍ وركودِ
ابن الرومي:
تتغنّى كأنَّها لا تغنّي ... من سكونِ الأوصالِ وهي تجيدُ
مدَّ في شأوِ صوتها نفسٌ ... كافٍ كأنفاس عاشقيها مديدُ
قيل لرجل: أي المغنين أحذق؟ فقال: ابن سريح كأنه خلق من كل قلب، فهو يغني لكل إنسان ما يشتهيه، نظمه ابن الرومي فقال:
كأنه قالب لكلّ هوًى ... فكلّهُ والمنى على قدرِ
قال بعض الملوك لجليس له: صف لي هاتين المغنيتين، فقال: هما كالعينين أيهما فتحت أبصرت بها.
وقال بعض الحكماء: إذا وقع في يدك يوم السرور فلا تخله فإنك إذا وقعت في يوم الغم لم يخلك.
ومن النادر في هذا:
جاءت بوجهٍ كأنَّهُ قمرٌ ... على قوام كأنهُ غصنُ
غنّتْ فلم تبقَ فيّ جارحةٌ ... إلاّ تمنّتْ أنها أذنُ
وقال آخر:
ومطربٌ صوته وفوهُ ... قد جمعا الطيباتِ طرّا
لو لم يكن صوتهُ بديعاً ... ما ملأ الله فاه درّا
ومما قيل في الرقص:
إذا اختلسَ الخطا واهتزَّ ليناً ... رأيتَ لرقصهِ سحراً مبينا
يمس الأرضَ من قدميه وهنٌ ... كرجعِ الطرفِ يخفى أن يبينا
ترى الحركاتِ منه بلا سكونٍ ... فتحسبها لخفتها سكونا
رويَ أن أبا مليكة بينا يؤذن إذ سمع الأخضر الجدي يغني من دار العاص بن وائل:
تعلّقتُ ليلى وهي ذاتُ ذوائب ... ولم يبدُ للأترابِ من ثديها حجمُ
صغيرينِ نرعى البهمَ يا ليتَ أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهمُ
فأراد أن يقول حيّ على الصلاة، فقال: حي على البهم حتّى سمعها أهل مكة فغدا معتذراً إليهم.
قال إبراهيم الموصلي: كان عندنا مغنّ يغني بنصف درهم ولا يسكت إلاّ بدرهم.
وقال رجل لآخر: غنني صوت كذا وبعده صوت كذا، فقال: أراك لا تقترح صوتاً إلاّ بوليّ عهد.
وقال الناجم:
تأتي أغاني عاتبٍ ... أبداً بأفراح النفوس
تشدو فنرقص بالرؤوس ... لها ونزمر بالكؤوس
قال أبو عثمان الناجم: بحوحة الحلق الطيب تشبه مرض الأجفان الفاترة.