ولعُ الخمرِ بالعقولِ رمى الخم ... رَ بتنجيسها وبالتحريمِ
وقال مقيس بن صبابة الكناني:
تركتُ الراحَ إذ أبصرتُ رشدي ... فلستُ بعائدٍ أبداً لراحِ
أأشربُ شربةً تُزري بعقلي ... وأصبحُ ضحكةً لذوي الفلاحِ
معاذ الله أن أزري بنفسي ... ولا أشري الخسارة بالرّباحِ
قيس بن عاصم:
وجدتُ الخمر معصية وحوبا ... تفيد الجهل والشين العظيما
فلا والله أشربها صحيحاً ... ولا أشفى بها أبداً سقيما
ولا أعطي بها ثمناً حياتي ... ولا أدعو لها أبداً نديما
إذا دارت حميّاها تبدَّت ... طوالع تسفه الرجل الحليما
وقال آخر:
تركتُ الشرابَ وشُرَّابه ... وصرتُ خديناً لمن عابَه
شراباً يضلُّ سبيلَ الرشادِ ... ويفتحُ للشرِّ أبوابهُ
وقال آخر:
لعمرك أنّ الخمر ما دمت شارباً ... لمذهبة مالي وسالبتي عقلي
وتاركتي مثل الضعاف قواهم ... ومجشمتي حربَ الصديقِ بلا ذحلِ
آخر:
لم أترك الراحَ من زهدٍ تجدّد لي ... فيها ولا أنّ قلبي ليس يهواها
لكن رأيت نداماها ذوي سفهٍ ... فنهنهتْ شُربي عنها نداماها
أبو نواس:
أنت يا ابن الربيع علمتني الخي ... رَ وعودتنيه والخيرُ عادهْ
فارعوى باطلي وراجعني الحل ... م وأحدثتُ رهبةً وزهادهْ
لو تراني ذكرت بي الحسن البص ... ري في حال نسكه أو قتادهْ
المسابيح في يميني والمص ... حف في لبّتي مكان القلادهْ
فإذا شئتَ أن ترى طرفةً تع ... جبُ منها طريفةً مستفادهْ
فادعُ بي لا عدمتَ تقويم مثلي ... وتأمَّل بعينك السجَّادهْ
ترى أثراً من الشحوب بجسمي ... توقن النفس أنه من عبادهْ
من صلاةٍ أديمها بخشوعٍ ... واصفرار مثل اصفرار الجرادهْ
ولقد طالما شقيتُ ولكن ... أدركتني على يديك السعادهْ
وقال آخر وقد تاب وعاد إلى الشرب:
قد كنتُ تبتُ عن الشراب فلم أجد ... أحداً من الأخوان إلاّ يشربُ
فحلفتُ لا أدع الشرابَ ولا أُرى ... إلاّ إلى أصحابه أتقرّبُ
ما من صديقٍ منذ كانت توبتي ... إلاّ تجنبني كأنِّي أجربُ
ويقولُ بعضهم لبعضٍ تائبٌ ... إنْ كنتُ تبتُ فقد رجعتُ فجرّبوا
وقال آخر:
تركتُ الشراب سوى شربةٍ ... إذا ما أكلتُ تحطّ الطعاما
فتلك وأخرى بها شربتي ... وقد كنتُ أشرب زقّاً تماما
وقال ابن المقفع:
سأشرب ما شربت على طعامي ... ثلاثاً ثمَّ أتركه صحيحا
فلست بقارف منه آثاماً ... ولستُ براكب فيه قبيحا
وقد أحسن ابن وهيب في وصف ساقٍ:
وساقيةٍ من الأشباهِ ... مضروب بها المثلُ
إذا مالت إلى الإبري ... ق جاذب خصرها الكفلُ
تلاحظني مخالسةً ... إذا سنحت لها العللُ
وتجرحني وأجرحها ... ويفصل بيننا الخجلُ
آخر:
وأحلى العالمين مذاق ريح ... أصار إليّ عذباً مستطابا
أصاب شبيهه في كلّ فنٍّ ... صفاءً ثمَّ نشراً والتهابا
ولم يكن الشراب كذا لذيذاً ... ولكن طابَ حاملهُ فطابا
وقال أبو الشيص:
كأنَّ اطّرادَ الماءِ في جنباتها ... ترددُ ماءِ الدرِّ في شبكِ الذهبْ
سقاني بها والليلُ قد شابَ رأسهُ ... غزالٌ بحنّاءِ الزجاجةِ مختضبْ
العطوي في تخيّر النديم:
يقولون قبلَ الدارِ جارٌ مجاورٌ ... وقبلَ الطريقِ النهجِ أُنسُ رفيقِ
فقلت وندمانُ الفتى قبل كأسهِ ... وما حثَّ كأسَ المرِ مثلُ صديقِ
آخر:
وما أنا للندمان في الشرب مكرهٌ ... على الكأس يأباها ولا قائل هُجرا
ولكنني مما أقول له اشربَنْ ... هواك ودع ما خفت من شربهِ الضرا
وأفديه تارات بنفسي ووالدي ... وأجعل ما أهوى لما فاته سترا
وإن ردّ فضلاً في الإناء شربته ... ولم أسقه كرهاً لأصرعه سُكرا
وإن نام لم يوقظ وإن قام لم يُرم ... وإن قال لي يا صاح لبيته عشرا
أرى ذاك حقّاً للنديم وإنني ... لأحفظه سرّاً وأحفظه جهرا
وقال أبو نواس:
ولست بقائل لنديم صدقٍ ... وقد أخذ الشراب بوجنتيه