بالمستعمل، وهو مهدّد بالموت، ومعرّض لقوانين التّطور اللّغويّ والتّعبير الصّوتيّ، فإذا أميت بالترك لم يكن في طبائعها ما تعوض به المتروك الجديد بمتروك قديم، فتضطرّ إلى الاستجداء من لغات أخرى[1]، فقد تصاب بالتّخمة والتّسمم لكثرة ما في أحشائها من الدّخيل.
ولقد ظهرت دعوات في الأوساط اللّغويّة العربيّة المعاصرة للاستفادة من الممات وإحيائه بطريقة منظّمة، تتمشّى مع خطّة معيّنة، تمليها السّياسة اللّغويّة، وتهدف إلى التخلّص من الكلمات الأجنبية أو إلى سدّ النقص الملحوظ في الاستعمال، الّذي لا يمكن معالجته بالطّرق المألوفة، وقد شاع هذا الاتجاه في لغات أجنبيّة في القرن الثامن عشر، كاللغة الألمانية، عند ما جاهد دعاة المحافظة على اللغة وقواعدها في سبيل التّخلّص من الكلمات الفرنسيّة الدّخلية[2].
أمّا في العربيّة فقد أحيا الأدباء والعلماء في العصور الحديثة كثيراً من الألفاظ القديمة للحاجة إلى معانيها، وتبعاً للمخترعات الصناعيّة الّتي تستلزم بعض المصطلحات، ومن هنا وجدناهم يعيدون إلى اللّغة شيئاً من الألفاظ المهجورة "فكثيراً ما يلجؤون إلى ذلك للتّعبير عن معان لا يجدون في المفردات المستعملة ما يعبّر عنها تعبيراً دقيقاً، أو لمجرد الرّغبة في استخدام كلمات غريبة، أو في التّرفع عن المفردات الّتي لاكتها الألسنة كثيراً، وبكثرة الاستعمال تبعث هذه المفردات خلقاً جديداً، ويزول ما فيها من غرابة، وتندمج في المتداول المألوف، ولا يخفى ما لذلك من أثر في نهضة لغة الكتابة واتّساع متنها وزيادة قدرتها على التّعبير"[3]. [1] ينظر: دراسات في فقه اللغة 293. [2] ينظر: دور الكلمة في اللغة 213. [3] علم اللغة لعلي عبد الواحد وافي 255، 256.