يصرّحوا به، وإنّما يفهم من موقفهم من ماضي (يَدَعُ) فهم يحكمون بأنّه من الممات، مع أنّهم ذكروا بعض الشّواهد على استعماله، من دون أن يخطّئوا صاحبه، أو يضعّفوا قوله، وذكروا بعض القراءات وهم يرون الاحتجاج بالقراءات الشّاذّة في اللغة، وليس لذلك تفسير عندي سوى الإقرار منهم بأنّ الفعل المَيّت قد يظهر في الاستعمال على قلة إذا دعت الحاجة إليه في شعر أو غيره، فيكون من باب إحياء الممات.
وقد حمل الأستاذ سعيد الأفغاني على علماء العربيّة القدامي وسفّه قولهم بإماتة هذا الفعل، وقال: "والطّريف أنّ بعض المحقّقين ممّن تأخر زمانه عن أولئك صحّح خطّأهم فأثبت صاحب المصابح هذه اللّغة الفصيحة في معجمة واستنكر ادّعاءهم الإماتة ...
وبذلك ترى تسرّب الوهن إلى بعض أحكامهم إذ كانت خطّتهم ينقصها الإحكام في المنهج والكفاية في الاستقراء معاً، وكان عليهم قبل إرسالها استيعاب قراءات القرآن على الأقلّ والاحتجاج بها"[1].
ولو تدبّر الأستاذ الأفغاني -رحمه الله - في ذلك وتأمّل طريقة علمائنا في تناول هذا الفعل المتمثلة في الجمع بين قولهم بإماتته وروايتهم قدراً من الشّواهد على استعماله لربّما توصّل إلى مثل ما توصّلت إليه، وتجنب اتهامهم -رحمهم الله- بالخلل في المنهج وعدم الكفاية في الاستقراء.
ويبدو أنّ في صنيع أصحاب المعاجم دلالة قويّة على أهميّة الممات، وأعنى بذلك احتفاظهم بالممات في بطون المعاجم الكبيرة المتأخّرة، كـ (التكملة) و (العباب) و (اللسان) و (القاموس) و (التاج) ولعلّ ذلك إرهاص لإحيائه عند الحاجة، وفي هذا كانت المزية للعربيّة، إذ لا تحتفظ سائر اللّغات إلا [1] في أصول النحو 35، 36.