إياها نحو مائة وخمسين سنة، وعلى الرغم من أن الشعب الغالب كان أرقى كثيرًا من الشعب المغلوب في حضارته وثقافته، وذلك لأن الجالية الرومانية في الجزر البريطانية لم تكن شيئًا مذكورًا ولم تمتزج امتزاجًا كافيًا بأفراد الشعب المغلوب، وقد تقدَّم أن الغلب اللغوي لا يتم في مثل هذه الحالات إلّا إذا أقامت في البلاد المقهورة جالية يعتد بها من أفراد الشعب الغالب, وتم الامتزاج بينها وبين أفراد الشعب الآخر[1]. واللغة العربية لم تقو على الانتصار على اللغة الفارسية، على الرغم من فتح العرب لبلاد فارس وبقائها تحت سلطانهم أمدًا طويلًا، وذلك لأن الشعب العربي لم يكن إذ ذاك أرقى حضارة من الشعب الفارسي، ولقلة عدد الجالية العربية بفارس، وضعف امتزاجها بالسكان، ولانتماء اللغتين إلى فصيلتين مختلفتين "فالعربية من الفصيلة السامية والفارسية من الفصيلة الهندية - الأوروبية"[2]. واللغة العربية لم تقو على الانتصار على اللغات الأسبانية على الرغم من فتح العرب للأندلس وبقائها تحت سلطانهم نحو سبعة قرون، وذلك لانتماء العربية إلى فصيلة غير فصيلة اللغات الأسبانية, ولعدم امتزاج الشعوب القوطية بالشعب العربي. واللغة التركية لم تقو على التغلب على لغة أية أمة من الأمم التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية بأوربا وآسيا وأفريقيا، على الرغم من بقاء هذه الأمم مدة طويلة تحت سلطان تركيا، وذلك لاختلاف فصائل اللغات؛ فالتركية من الفصيلة الطورانية, على حين أن لغات معظم الأمم التي كانت خاضعة لتركيا من الفصيلة السامية - الحامية أو الهندية - الأوروبية، ولأن الترك كانوا أقل حضارةً وثقافةً من معظم الشعوب التي كانت تابعة لهم، ولقلة عدد جاليتهم في بلاد هذه الشعوب، ولضعف امتزاجها بالسكان, ولم تقو الإنجليزية على التغلب على اللغات الهندية على الرغم من خضوع الهند لإنجلترا [1] انظر آخر صفحة 231 وأول صفحة 232. [2] تقدم أن انتماء اللغتين إلى فصيلتين مختلفتين يحول غالبًا دون انتصار إحداهما على الأخرى. "انظر آخر صفحة 231 وأول صفحة 232".