دخيلة من المخارج نفسها, وبالطريقة نفسها التي يسير عليها النطق في اللغة الغالبة, فيزداد بذلك انحلال اللغة المغلوبة, ويؤذن نجمها بالأفول, ولكنها تظل طوال هذه المرحلة مستبسلة في الدفاع عن قواعدها الصرفية والتنظيمية "قواعد المورفولوجيا والسنتكس", وفي مقاومة قواعد اللغة الغالبة؛ فيركب أهمها جملهم ويصرفون كلماتهم وفق أساليبهم الأولى, وفي المرحلة الأخيرة تضعف هذه المقاومة شيئًا فشيئًا, فتأخذ قواعد اللغة الغالبة في الاستيلاء على الألسنة حتى يتم لها الظفر، فيتم بذلك الإجهاز على اللغة المغلوبة, فالقواعد في اللغة المغلوبة أشبه شيء بالقلعة التي تحتمي بها فلول الجيش المنهزم, وتقاتل عنها حتى آخر رمق، والتي يتم بسقوطها استيلاء العدو على البلاد.
ب- الحالات التي لا تقوى فيها إحدى اللغتين على التغلب:
وأما النتيجة الثانية وهي عدم تغلب إحدى اللغتين على الأخرى وبقاؤهما معًا جنبًا لجنب, فتحدث فيما عدا الحالتين المشار إليهما في الفقرة السابقة.
والأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخ الأمم الغابرة وفي العصر الحاضر, فاللغة اللاتينية لم تقو على التغلب على اللغة الإغريقية، مع أن الأولى كانت لغة الشعب الغالب، وذلك لأن الإغريق، مع خضوعهم للرومان، كانوا أعرق حضارة وأوسع ثقافة وأرقى لغة، وقد سبق أن انهزام لغة الشعب المغلوب أمام لغة الشعب الغالب لا يحدث إذا كان الشعب الثاني أرقى من الشعب الأول في جميع هذ الأمور[1]. ولهذه الأسباب نفسها لم تقو لغات الشعوب الجرمانية التي قوضت الإمبراطورية الرومانية الغربية في فاتحة العصور الوسطى على التغلب على اللغة اللاتينية في البلاد التي قهرتها بمناطق الجول Le Gaule "فرنسا" وما إليها. واللغة اللاتينية لم تقو على التغلب على لغات أهل بريطانيا العظمى، على الرغم من فتح الرومان لبلادهم واحتلاهم [1] انظر آخر صفحة 231 وصفحة 232.