نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 304
استعمالها وسيلة للاتفاق بين الجماعة وعلامة لأعضاء هذه الجماعة، بها يعرف بعضهم بعضا ويهرع بعضهم إلى بعض.
كل عضو في الجماعة يشعر بأنه يتكلم لغة معينة ليست لغة الجماعات المجاورة. فللغة إذن وجود مستقل في الشعور المشترك بين أولئك الذين يتكلمونها جميعا. وهذا التعريف، وهو ذاتي محض في مظهره، يستند إلى كون هذا الشعور بالاشتراك في اللغة يضاف إليه شعور آخر في وجدان المتكلمين بوجود مثل لغوي أعلى يسعى كل منهم من جهته إلى تحقيقه[1].
فكأن هناك عقدا ضمنيا أقامته الطبيعة بين أفراد الجماعة الواحدة ليحافظوا على اللغة في الصورة التي توجبها القاعدة. وكثيرا ما ترجع هذه القاعدة إلى الاستعمال، وهذا لا يخلو من الصواب. ولكن الاستعمال غير التحكم، بل هو ضده على خط مستقيم لأن الاستعمال خاضع لمصلحة الجماعة، وهي هنا حاجتها إلى أن تكون مفهومة. فكل فرد يدأب بغريزته وعن غير شعور منه على الوقوف في سبيل ما هو تحكمي حتى لا يدخل في الاستعمال. وإذا وقعت مخالفة من جانب فرد منعزل، أصلحت على الفور، والسخرية اللاذعة كفيلة بإمساك الجاني عن التفكير في المعاودة. ولا يمكن أن تصير للمخالفة قوة القانون إلا إذا كان أعضاء الجماعة كلهم على استعداد لارتكابها، أي أن يشعروا بها على أنها قاعدة، وفي هذه الحالة لا تصبح مخالفة.
والصرامة التي بها تفرض القاعدة نفسها في غاية القوة، يستوي في ذلك كل الجماعات اللغوية وفي كل اللغات. قد نسمع في بعض الأحيان أشخاصا، وأشخاصا مثقفين، يظهرون دهشتهم من أن يكون للغة الفلاح قواعد ونحو. فهم يتخيلون أن القواعد لا توجد إلا في الكتب التي توزع على تلامذة المدارس، وهذا خطأ. لأن الكلام الريفي، أو اللهجات كما يسمونها، فيها قواعد أشد صرامة في غالب الأحيان مما في اللغات التي تتلقن من كتب النحو. وفي اللغات المكتوبة دون [1] انظر عن المثل الأعلى للسلامة اللغوية نورن Norren: رقم 23 مجلد 1 "1892", وسيتالا setala: رقم 28، مجلد 4 "1924" ص2-79.
نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 304