تعالى بالأشياء أزلاً عين علمه بنفسه. ثم أن ماهيتها غير مجعولة أي أنها بذواتها ليست أثر الفاعل لأن ذواتها هي المعدومات الثابتة في نفس الأمر والثبوت في نفس الأمر لها أزلي لتوقف تعلق العلم الأزلي بها على تمايزها المتوقف على ثبوتها وما توقف عليه التعلق الأزلي فهو أزلي بالضرورة ولا شيء من الأزلي بمجعول. لأن الجعل تابع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت. فالثبوت متقدم على الجعل بمراتب فلا تكون الماهيات من حيث الثبوت أثراً للجعل والإكثار وإنما تكون مجعولة في وجودها لأن وجود العالم حادث وكل حادث مجعول. والحاصل لا مجعول إلا الصور الوجودية للأشياء وأما حقائقها فلا صور لها في الأزل وجودية ولا خارجية ولا مثالية مرتسمة في ذات الحق تعالى حادثة بالحدوث الذاتي كما ثيل بل هي نسب واعتبارات أزلية أعني أنها أعيان النسب والاعتبارات الأزلية التي هي أمور عدمية ثبوتية لا صور وجودية مثالية. ثم أن ثبوتها النفس الأمري كافٍ لتعلق العلم الأزلي بها وانكشافها للحق تعالى فهي بذواتها منكشفة له تعالى من غير حاجة إلى صور مثالية مرتسمة فيه أو في العقل الأول على ما يزعمه بعض جهلة الفلاسفة. ثم أن الصور الوجودية الخارجية للأشياء إنما تجعل لها على وفق ما هي عليه في نفس الأمر فهي في الأزل طالبة لها بلسان استعدادها فيما لا يزال وحيث أنه سبحانه كريم. وجواد حكيم. يفيض عليها ما طلبته ويعطيها ما هي عليه في نفس الأمر كما يشعر بذلك قوله تعالى) أعطى كل شيء خلقه (حيث أضاف سبحانه الخلق إلى ضمير الشيء ولم يقل سبحانه خلقاً والحكمة تأبى أن يعطى الشيء ويفيض عليه خلاف ما هو عليه في نفس الأمر) إذا علمت ذلك (فمشيئة الله تعالى كفر الكافر مثلاً لأن استعداده الأزلي طلبه والحكمة اقتضته فما كان الله تعالى ليمنعه إياه وإن أضر به ولذا قال سبحانه) وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (وقال عليه الصلوة والسلام) فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (ويظهر حقيقة ذلك للعصاة يوم القيامة. ومن هنا يقول الكفار) غلبت علينا شقوتنا (ويقول إبليس لأهل النار) لا تلوموني ولوموا أنفسكم (فالكافر مثلاً لا بد أن يعصي ويكفر وإلا لزم انقلاب العلم جهلاً وهو محال ولذا قال سبحانه في حق الكفرة المعذبين) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه (لكنهم لا يعصون إلا باختيارهم وهم مجبورون في عين الاختيار) لا يقال (إذاً يلزم التكليف بالمحال ضرورة إن كل فعل للعبد اقتضى استعداده الأزلي أنه لا يقع ممتنع الوقوع تحقيقاً لكون العلم تابعاً للمعلوم كاشفاً له كشفاً إحاطياً دفعاً للانقلاب) لأنا نقول (مدار التكليف على الإمكان العقلي والإيمان من الممكنات العقلية وإنما كلف الله سبحانه الكفار وأرسل إليهم الرسل وهو عز وجل يعلم سوء اختيارهم الذي اقتضاه سوء استعدادهم الأزلي الغير المجعول وكذا سائر المكلفين لاستخراج سر ما سبق به العلم التابع للمعلوم من الطوع والآباء في المكلفين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فإن الله تعالى لو أدخل كلاً داره التي سبق العلم بأنها داره لربما كتموا ما ينكشف من حقيقة الحال أو غفلوا عنه أو تشبثوا بالاعتراض قبل الانكشاف فكان شأنهم ما وصفه الله تعالى بقوله) ولو إنا أهلكناهم بعذابٍ من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى (فأرسل عز وجل رسله مبشرين ومنذرين ليستخرج ما في استعدادهم من الطوع والإباء.) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (وتقوم به الحجة على الآخرين إذ بعد الذكرى وتبليغ الرسل تتحرك الدواعي للطوع والأباء بحسب الاستعداد الأزلي فيترتب عليه الفعل أو الترك بالمشيئة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت الأزلي. فيترتب عليه الضر والنفع من الثواب والعقاب. فمتى قال الكافر مثلاً يا رب لم شئت كفري حتى شئته أنا وفعلته فعذبتني قال الله تعالى له لم أشأ ذلك إلا لسبق علمي بك كافراً في حد ذاتك فما أنت والكفر إلا كالأربعة مثلاً والزوجية من وجهٍ فأبرزتك حسبما علمتك وعلمنك حسبما أنت عليه ومع ذا لم أمنعك فضلي فأرسلن إليك رسلي مبشرين ومنذرين. مرغبين ومرهبين. فأبيت إلا الكفر فأي قصور مني في رعايتك. وأي بخل يروى عني بأسباب هدايتك. ومتى قال